الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ -
الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ - 24 تشرين الثاني 2024


الحكم الإسلامي في الهند... ثمانية قرون من اللا طبقية
10 جُمادى الآخرة 1443هـ
تعرف على الهند
جمهورية الهند، دولة آسيوية كبيرة من حيث المساحة والسكان، أما من حيث المساحة فهي شبه قارة، تبلغ مساحتها (3,287,590) مليون كم2، وتعداد نفوسها، هو الثاني عالمياً بعد الصين، ويبلغ (1,266,883,598) نسمة، حسب إحصائية سنة 2016م، في الهند أكثر من عشرين لغة، لكن لغتها الرسمية هي الهندية (الآرية) كما تستعمل الإنكليزية في بعض المعاملات التجارية، عملتها الروبية، ونظامها جمهوري علماني، وعاصمتها دلهي، والديانة الأغلب فيه هي الديانة الهندوسية، اذ تبلغ نسبتها (79,8) %، ثم تليها الديانة الإسلامية بنسبة (14,2)%، يبلغ عدد المسلمين الهنود وفق هذه النسبة، حوالي (200,000,000) مليون مسلم، يتوزعون بنسب متفاوتة على عموم شبه القارة الهندية، أما المسيحيون فتبلغ نسبتهم (2,3)%، في حين تبلغ نسبة السيخ - وهم جماعة منشقة عن الهندوسية -  (1,7)% ، فيما يشكل البوذيون نسبة (0,8)%.

كيف دخل الإسلام الهند؟ 
دخل الإسلام الى الهند مبكرا عن طريق التجار العرب والمسلمين، الذين كانوا يتبادلون السلع التجارية مع السواحل الهندية عن طريق البحر، حيث كان بكل ميناء هندي يتواجد جماعة من العرب أو المسلمين لأغراض التبادل التجاري، ثم أخذ الإسلام عن طريقهم ينتشر في داخل شبه القارة تدريجيا، ومما ساعد على انتشار الإسلام هناك، هو كون النظام الاجتماعي في الهند آنذاك نظاما طبقيا، يرفع طبقة من الناس ويضع أخرى، فكانت هناك طبقات اجتماعية معينة، وقع عليها الظلم والاضطهاد ، كطبقة تشرومن (حرّاث الأرض) وقبيلة تيان وجماعة (مكهه – ون)، هؤلاء وأمثالهم وجدوا في الإسلام عزاً وكرامةً، حيث جميع الناس فيه سواسية، مهما اختلفت اصولهم وأعراقهم وطبقاتهم، فأقبلوا يتهافتون عليه في مختلف بقاع الهند، يضاف الى السبب التجاري في انتشار الإسلام، فتح بلاد السند (شمال الهند) من قبل محمد بن القاسم الثقفي، وانتشار الإسلام بين شعوبه.

المسلمون يحكمون الهند
حكم المسلمون الهند حكما فعليا، لفترة طويلة من الزمن، وصلت الى أكثر من ثمانية قرون، بدأت سنة 1001م – 392هـ، وانتهت سنة 1858م ـ 1275هـ، حينما بدأ السلطان الأفغاني محمود الغزنوي فتوحاته في الهند، أسس على أثرها دولة إسلامية قوية، تعاقبت على حكمها الأباطرة والسلاطين والأسر الحاكمة لفترات طويلة من الزمن، كانت آخر ثلاثة قرون منها للسلاطين والأباطرة المغول المسلمين، وعلى رأسهم السلطان جلال الدين أكبر، ذلك السلطان الحازم والقوي، الذي شهدت الهند في عصره نهضة كبيرة، ثم جاء بعده الإمبراطور (شاه جهان) الذي اشتهر بالبناء والعمران، وهو الذي بنى مسجد (تاج محل) الشهير، وكذلك السلطان (أورنك أزيب) المعروف بـ (عالمكير) الذي أشرف على الموسوعة المعروفة بالفتاوى الهندية أو العالمكيرية، استقرّت في ظل الحكم الإسلامي البلاد، وتَنعَّم بالأمن العباد، وساد العدل والمساواة عامة الناس قرونا من الزمن. 

الاحتلال البريطاني
بدأ الضعف والانحلال يتسلل الى كيان الدولة، في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، حيث ضَعْفُ السلاطين وتوجه اهتماماتهم الى مصالحهم الشخصية، بدلا من مصلحة الدولة العليا، فاستغل الإنكليز ذلك أمثل استغلال، فأسسوا شركة الهند الشرقية البريطانية في الهند، ذريعة يتسللون من خلالها الى عموم بلاد الهند للسيطرة عليها، فأخذوا يتدخلون في شؤون الدولة محاولين فرض سيطرتهم عليها، وتعزيز تغلغلهم فيها، وكان ذلك في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي.
زامن تلك الأحداث تولي السلطان (بهادر شاه) السلطة، خليفة لأبيه محمد أكبر شاه الثاني، فكانت الأمور ليست على ما يرام، وقد رسخ الإنكليز وجودهم، وأوشكت السلطة أن تخرج من يديه، فلم يبق له الا الشكل الرمزي ونقْش اسمه على العملة، أما إدارة البلاد الفعلية فقد كانت بأيدي الإنكليز، الذين بدأوا يحاصرون السلطان يوما بعد يوم، بعد أن جرّدوه من جميع صلاحياته، فظل أسيرا في قلعته الحمراء، وأخيرا وجّهوا له إنذاراً بأنه سيكون آخر سلطان للهند، وأن القلعة الحمراء ستكون ثكنة عسكرية لجنودهم بعد وفاته.

فشل الثورة وسقوط الدولة
أدرك الشعب الهندي يومها حجم المؤامرة، ولكن بعد فوات الأوان، فاصطفّوا حول سلطانهم (بهادر شاه) متأخرين، قد سبقهم المكر البريطاني في تثبيت قواعد وجوده، فأعلنوا ثورتهم على الإنكليز، وأعلنوه قائدا للثورة، وسيطروا على العاصمة دلهي، لكن كبر سن السلطان وقلّة تدبيره، أدى الى فشل الثورة، فقد أعاد الإنكليز تنظيم جيشهم واستعادوا العاصمة دلهي من الثوار، على أثر ذلك تم القبض على السلطان، ومن ثم نفيه الى مدينة رانكون (عاصمة بورما)، وفرضوا عليه الإقامة الجبرية هناك تحت الحراسة المشددة، وكان ذلك سنة 1858م، ليقضيَ نحبه بعد أربعة أعوام من نفيه، وبهذا أُسدِل الستار على حكم المسلمين لبلاد الهند، لأكثر من ثمانية قرون من الزمن.