الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ -
الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ - 24 تشرين الثاني 2024


من هو مؤلف ألف ليلة وليلة ؟
13 ربيع الثاني 1443هـ
تضاربت الآراء حول مؤلف ألف ليلة وليلة بين شخص واحد ومجموعة أشخاص لاحتوائها على معلومات كثيرة عن مختلف البلدان وأعرافها وتقاليدها وجغرافيتها، كما اختلفت في عصر تأليفها بين القرن الثاني والرابع للهجرة، ولكن كل هذه الأقوال لم تتطرق إلى اسم مؤلفها وعدّه كل من كتب عنها شخصاً مجهولاً.
وقد احتوت حكايات ألف ليلة وليلة على العديد من الفصول منها: حكايات الملك شهريار، وأخيه الملك شاه الزمان، وحكاية الملك يونان والحكيم دويان، حكاية الحمال مع البنات، وحكاية علي بن بكار مع شمس النهار، وحكاية الملك قمر الزمان ابن الملك شهرمان، وحكاية علاء الدين والمصباح السحري، وحكاية هشام بن عبد الملك مع غلام من الأعراب، وحكاية اسحاق الموصلي، وتزويج المأمون ببنت الحسن بن سهل، وحكاية هارون الرشيد مع محمد بن علي الجوهري، وغيرها إضافة إلى حكايات السندباد البحري التي سلطت الضوء على مؤلف هذه الحكايات.
وردت حكايات السندباد في سبع ليالٍ وهي من ليلة (558) إلى ليلة (565)، واسم سندباد، تعني (زعيم نهر السند)، بالفارسية، وتعد هذه الحكايات من أهم حكايات ألف ليلة وليلة فطالما ذكّرنا هذا الاسم بالطفولة، وطالما استمعنا من آبائنا وأجدادنا وجداتنا وهم يقصون علينا الأساطير حول هذا الاسم. فمن هو السندباد البحري هذا وهل هو شخصية حقيقية أم خرافية؟
ورد اسم هذه الشخصية في العديد من الكتب المعتبرة التي تحدثت عن تاريخ البلدان والشعوب وجغرافيتها والتي اعتمدت على ما دوّن السندباد في رحلاته !
إذن فهذه الشخصية هي حقيقية من هذا الجانب، ولكن ما قصة الأساطير والخرافات التي صاحبت تلك الشخصية والتي تروى عنه وتجعلنا نؤمن إيمانا قاطعا بأن هذه الشخصية خرافية ؟
جاء في كتاب (تاريخ الإسلام في جوب شرقي آسيا والصين) للأستاذ عادل محي الدين الآلوسي ما نصه: (وأخيرا نذكر رحلة تعد من بواكير الرحلات العربية إلى بلاد المشرق وأعني بها رحلات السندباد البحري الذي يرجّح أنها حدثت في زمن الخليفة العباسي هارون في غضون القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي وقد ورد ذكرها ضمن حكايات ألف ليلة وليلة ولا يستبعد أن يكون السندباد البحري هو سليمان السيرافي التاجر، وإن كان العمانيون يطلقون وصف السندباد على أحد تجارهم وهو أبو عبيدة عبد الله بن القاسم. 
على كل حال السندباد البحري بغدادي من أولاد الذوات باع متاعه وعقاره بمبلغ ثلاثة آلاف دينار وانحدر في رحلته إلى البصرة ومعه جمهرة من التجار باتجاه الخليج العربي والمحيط الهندي وقد تكررت هذه الرحلات حتى وصلت إلى ست رحلات وفي كل رحلة تكون البصرة مركز انطلاقه وبالتالي عودته وهذه الرحلات مع ما رافقها من أساطير وخرافات وحكايات مأساوية فإنها تشكل النواة التي اعتمد عليها البلدانيون العرب لما حوته من معلومات جغرافية أوردها السندباد خلال رحلاته ...)
إلى هنا ينتهي كلام الآلوسي الذي يتضح فيه ثلاثة أمور: 
الأمر الأول: هو أن (السندباد) لقب لا اسم، حيث أن أهل بغداد يطلقونه على سليمان السيرافي التاجر، بينما يطلقه أهل عُمان على أحد تجارهم وهو عبد الله بن القاسم، فلا شك أن هذا اللقب يطلق على البحار التاجر. 
الأمر الثاني وهو المهم: هو أن رحلات السندباد رغم أنها حملت أساطير وخرافات فإنها حملت أيضاً معلومات جغرافية وتاريخية صحيحة اعتمد عليها البلدانيون العرب في رحلاتهم.
الأمر الثالث: هو تحديد الفترة التي عاش فيها السندباد وهي القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي.
وهذه الأمور الثلاثة هي التي تحفز الباحث على البحث والتقصي عن ملابسات الموضوع وحيثياته، فمن هو سليمان السيرافي التاجر هذا ؟ 
جاء في ترجمة سليمان التاجر السيرافي، أنه كتب رحلته سنة (237 هـ 851 م) وهو ما يدعم أنه ولد في زمن حكم هارون العباسي (170 ــ 193 هـ) وولادته تكون بين هاتين السنتين يؤكد أنه قد تجاوز الأربعين من عمره عندما قام برحلته وهو ما يؤهله للقيام بهذه الرحلة، وقد وصفت رحلته على النحو التالي: 
(تعد من بواكير السياحات العربية ويظهر أنه كان تاجراً معروفاً في البصرة وسيراف ومنها رحل أكثر من مرة إلى بلاد الصين التي قصدها للتجارة بالدرجة الأولى وقد أضاف إلى حكايات سليمان بعد عشرين سنة (ابن وهب القرشي) وفي القرن الرابع / العاشر الميلادي دوّن قصص الرحلتين (أبو زيد الحسن السيرافي البصري) وقد طبعت هذه الرحلة مع ذيلها أول مرة بعناية المستشرق (لانجلة) عام (1811) ونشرها المستشرق فران عام (1881) تحت اسم رحلة إلى الصين والهند وأسماها المستشرق سوفاجيه عندما نشرها مع بعض الملاحق المهمة عام (1948) أخبار الهند والصين).
إذن فإن رحلة سليمان السيرافي لم تنقل كما هي، بل أضيفت إلى المعلومات الصحيحة التي دونها، حكايات ابن وهب القرشي وإنها كانت تحتوي على ملاحق مهمة كما في ترجمة سليمان السيرافي وإذا طالعنا ترجمة ابن وهب القرشي يتضح لنا حكاية هذه الأساطير والخرافات التي حيكت حول رحلة السندباد فقد جاء في ترجمة ابن وهب ما يلي:
(ابن وهب تاجر من قريش كان يسكن البصرة ويرجع نسبه إلى هبار بن الأسود بن عبد المطلب بن عبد العزى وهو جد الهباريين ملوك السند ويُعتقد أنه ترك البصرة لما خربها الزنج حتى انتهى إلى مدينة خانقو (كانتون) جنوب الصين ومنها قصد خمدان لمقابلة الامبراطور الصيني (هيس شانج) الذي أكرمه وأحسن ضيافته وتحدث معه في أمور الدين والسياسة ولم يسجل ابن وهب رحلته وإنما تحدث عنها ونقل هذا الحديث أبو زيد السيرافي وهناك من يرى أن المسعودي التقى السيرافي عام (303 هـ / 915 م) وأخذ عنه رواية ابن وهب وهو ما يفسر التشابه الوارد بينهما ...)
وهنا تنجلي الحقيقة وهي تتضح في ثلاثة أمور في هذه الترجمة وهي:
أولا: أن ابن وهب (تحدث) عن (رحلته) المزعومة إلى الصين وهي في الحقيقة رحلة سليمان السيرافي (السندباد) حيث أكدت جميع المصادر أنها رحلته.
ثانيا: إن المسعودي وهو مؤرخ كبير قد أخذ عن رحلة السيرافي وهذا يدل على أنها كانت تحتوي على معلومات مهمة جعلها ابن وهب ثيمة لرحلته الشفهية
ثالثا وهو الأهم: أن ابن وهب لم يدون رحلته ولم يؤرخها بل رواها عام (257 هـ) على العكس من السيرافي الذي دون رحلته عام (237 هـ) وقد ذكر في ترجمة رحلة السيرافي أنه أضيف إليها معلومات بعد عشرين سنة فيكون التاريخ مطابقا تماما.
فلو أفرزنا هذه الاضافات الاسطورية لاستخرجنا رحلة السندباد البحري الحقيقية وهو سليمان السيرافي التارجر والتي أغنت العرب والمستشرقين بمعلومات جغرافية وافية عن البلدان التي زارها في رحلته إلى الصين والهند وبقي لدينا حكايات ابن وهب القرشي مؤلف ألف ليلة وليلة  

محمد طاهر الصفار