الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ -
الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ - 24 تشرين الثاني 2024


زينب الكبرى بطلة كربلاء
23 جمادى الاول 1443هـ
ليس الرجال وحدهم من تشهد لهم الأحداث والمواقف، ولا وحدهم من تميزوا؛ فكانوا أعلاما يُشار إليهم بالبنان، وما كان الإسلام ذكوريا حتى يهمش دور النساء المتميزات، فيسدل الستار على اللواتي تَبوَّأْنَ مكانا عليا في مسيرة الحياة الإنسانية، ولمّا كان الإسلام كذلك، فلا عجب من أن يسلط الضوء على نخبة من النساء المتميزات، اللواتي كانت لهن أدوارا مهمة، وقدمن خدمات جليلة، وبذلن جهودا حثيثة في مسيرة الإسلام الإنسانية، أمثال خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد سلام الله عليهن.
وقد جاد لنا التأريخ الإسلامي بامرأة أخرى، شغلت الناس بعظيم دورها وجميل صبرها، وقوة تحملها، وفصاحة لسانها، الا وهي السيدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، سليلة بيت النبوة ومعدن الرسالة.

من هي زينب الكبرى؟
هي زينب بنت الامام علي بن أبي طالب عليهما السلام، وأمها فاطمة الزهراء بنت النبي محمد صلوات الله عليه وآله، 
ولدت في الخامس من جمادي الأولى من السنة السادسة للهجرة في المدينة المنورة، وهي البنت الأولى من علي وفاطمة عليهما السلام.
حسبك البيت الذي ولدت فيه، والحجور التي احتضنتها، فقد نشأت في بيت ولا كأي بيت، بيت علي وفاطمة عليهما السلام، الذي كان يتردد عليه رسول الله صلوات الله عليه وآله، لأربع سنين من عمر المولودة قبل أن يرحل الى عالم الآخرة، فهي اذن قد ترعرعت في حجر ثلاث شخصيات عظيمة، محمد وعلي وفاطمة صلوات الله عليهم أجمعين، يحيطان بها أخواها الحسن والحسين عليهما السلام، ترى أي تربية قد تلقّت؟ ومن أي معين نهلت؟ والى أيَّة مكانة ارتقت؟  

زواجها
لما بلغت السيدة زينب عليها السلام مبلغ النساء، خطبها أناس كثيرون، منهم ابن عمها عبد الله بن جعفر الطيار عليه السلام، ذاك الذي آثره أبوها علي بن أبي طالب عليه السلام على الآخرين، فزوجها إياه على مهر كمهر أمها فاطمة بنت رسول الله صلوات الله وسلامه عليهما، أنجبت منه ولدين، هما عون ومحمد، استشهدا مع خالهما الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام في واقعة كربلاء الأليمة.
رافقت زينب عليها السلام موكب أخيها الحسين عليه السلام في رحلته الطويلة الى كربلاء، بإذن ورضا زوجها عبد الله بن جعفر، لتكون كبيرة نساء البيت العلوي الشريف في ركب الحسين عليه السلام.

أم المصائب 
لقبت السيدة زينب الكبرى عليها السلام بألقاب عدة، منها الحوراء والعقيلة والعالمة وبطلة كربلاء، ولكن ثمة لقب طغى على كل الألقاب، الا وهو "أم المصائب"، وسبب ذلك أنها عاشت مصائب الأسرة الهاشمية والعلوية جميعها وبكل تفاصيلها، بدءً بوفاة جدها رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، وكانت يومها ذات أربع سنين، ومصيبتها في أمها فاطمة الزهراء عليها السلام وما لاقته من ظلم وعدوان، وشهادة أبيها علي بن أبي طالب عليه السلام، كما شهدت استشهاد أخيها الإمام الحسن بن علي عليه السلام بالسم على يد زوجته جعدة بنت الأشعث بتوجيه من معاوية بن أبي سفيان، ثم المصيبة الكبرى التي هزت حياتها ومشاعرها هزة عنيفة، الا وهي مصيبة أخيها الحسين بن علي عليهما السلام، واستشهاده في كربلاء ثم سبيها وأفراد البيت العلوي، بنسائه وأطفاله  بعد انتهاء المعركة الى الكوفة، حيث عبيد الله بن زياد، و من ثم الى الشام حيث يزيد بن معاوية.

واقعة كربلاء
بعد موت معاوية بن أبي سفيان، الخليفة السياسي للدولة الإسلامية، ووصيته في استخلاف أبنه يزيد من بعده خليفة للمسلمين، بعد نكثه بنود معاهدة الصلح التي أبرمها مع الإمام الحسن بن علي عليه السلام، والتي كانت تتضمن أن تؤول الخلافة اليه أو الى أخيه الحسين عليهما السلام بعد موت معاوية.
لم يكن يزيد هذا من يصلح لقيادة الأمة الإسلامية، فقد كان فاسقا بشهادة التاريخ، محبا للّهو والترف، شغله الفجور والفساد، عن إدارة الدولة الإسلامية الكبيرة، التي تحتاج الى من هو كفؤٌ وأهلٌ لإدارة شؤونها، ولم يكن يزيد كذلك، فقد ساد منذ بداية حكمه الظلم والفساد، واستبداد الولاة والاستئثار ببيت المال واضطهاد أهل بيت النبوة وأتباعهم، مما حدا بالإمام الحسين عليه السلام الى الخروج معلنا ثورته الإصلاحية.
لم يكن الحسين عليه السلام طالب سلطة أو جاه، رغم شرعية المطلب وأحقيته في ذلك، إنما كان خروجه لطلب الإصلاح في أمة جده رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو الذي يقول: "انّى لَمْ أَخْرُجْ أَشِرًا وَلا بَطَرًا، وَلا مُفْسِدًا وَلا ظالِمًا، وَإِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصْلاحِ في أُمَّةِ جَدّي، أُريدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهى عَنِ الْمُنْكَر، وَأَسيرَ بِسيرَةِ جَدّي وَأَبي عَلِيّ بْنِ أَبي طالِب".
توجه الحسين عليه السلام مع نفر من أهل بيته قاصدا الكوفة، التي بعث اليه أهلها بطلبات كثيرة يريدون قدومه اليها، لكن يزيد بن معاوية جهز له جيشا كبيرا، أشرف على تجهيزه واليه بالكوفة عبيد الله بن زياد، وجعله تحت قيادة عمر بن سعد.
حدثت الواقعة الأليمة يوم العاشر من محرم الحرام سنة 61 للهجرة، في عرصة كربلاء بين جيش يزيد وأنصار الحسين عليه السلام، تلك المعركة غير المتكافئة من حيث العدة والعدد، كانت نتيجتها استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وجميع أنصاره، وسوق الأسارى من النساء والأطفال الى الكوفة ومن ثم الى الشام، وكانت السيدة زينب عليها السلام من ضمن هؤلاء الأسارى.

خطبتها في الكوفة
لما وصل ركب السبايا الى الكوفة وأدخلوهم على عبيد الله بن زياد، أجهش الناس بالبكاء والعويل، على ما رأوه من حال بنات رسول الله صلى الله عليه وآله، وهن سبايا ومعهم علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، وبعد ما قال عبيد الله بن زياد: "الحمد لله الذي قتلكم وأكذب أحدوثتكم"، قامت زينب بنت علي عليهما السلام، فقالت: "الحمد لله والصلاة على محمد وآله الطيبين الأخيار أما بعد: يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر، أتبكون؟ فلا رَقأَت الدمعة، ولا هدأت الرنّة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم، ألا وهل فيكم الا الصلف النطف، والصدر الشَنِف، وملق الإماء وغمز الأعداء، أو كمرعى على دمنة، أو كفضة على ملحودة؟ ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.
أتبكون وتنتحبون؟ أي والله، فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا، فلقد ذهبتم بهارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة؟ ومعدن الرسالة، وسيد شباب أهل الجنة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجتكم، ومدرة سنتكم؟ ألا ساء ما تزرون، وبعدا لكم وسحقا، فلقد خاب السعي، وتبت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضُربت عليكم الذلة والمسكنة، ويلكم يا أهل الكوفة! أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم؟ وأي كريمة له أبرزتم؟ وأي دم له سفكتم؟ وأي حرمة له هتكتم؟ لقد جئتم بها صلعاء عنقاء، سوداء فقماء، خرقاء شوهاء، كطلاع الأرض وملء السماء، أفعجبتم أن مطرت السماء دما، ولعذاب الآخرة أخزى، وأنتم لا تُنصرون، فلا يستخفنكم المهل، فإنه لا يحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثأر، وإن ربكم لبالمرصاد".

نبذة من خطبتها في الشام 
وحين أَدخَلوا السبايا على يزيد بن معاوية في الشام، وهو في غمرة نشوة النصر والفرح، شامتا متشفيا بآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله، وهم أسارى بين يديه، قام الإمام علي بن الحسين خطيبا في المجلس، فتكلم فأبلغ، ثم تلته السيدة زينب، فقامت وحمدت الله تعالى وأثنت عليه، يقول بشير بن خزيم ثم قالت: "أظنَنْتَ يا يزيد حيث أخَذتَ علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبَحنا نُساق كما تُساق الأُسارى، أنّ بنا على الله هَواناً وبك عليه كرامة؟! وأنّ ذلك لِعِظَم خَطَرِك عنده! فشَمَختَ بأنفِك، ونظرتَ في عِطفِك، جَذلانَ مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مُستَوسِقة، والأمورَ مُتَّسِقة، وحين صفا لك مُلكنا وسلطاننا. مهلاً مهلا! أنَسِيتَ قول الله تعالى: ولا يَحسَبنَّ الذين كفروا أنّما نُملي لَهُم خيرٌ لأنفسِهِم، إنّما نُملي لَهُم ليزدادوا إثماً ولهم عذابٌ مُهين؟! أمِن العدلِ، يا ابنَ الطُّلَقاء، تخديرُك حَرائرَكَ وإماءَك وسَوقُك بناتِ رسول الله سبايا قد هُتِكت سُتورُهنّ، وأُبدِيت وجوهُهنّ؟! تَحْدُو بهنّ الأعداء من بلدٍ إلى بلد، ويستشرفهنّ أهلُ المناهل والمناقل، ويتصفّح وجوهَهنّ القريب والبعيد والدنيّ والشريف! ليس معهنّ مِن رجالهنّ وَليّ، ولا مِن حُماتِهنّ حَمِيّ، وكيف يُرتجى مراقبةُ مَن لفَظَ فُوهُ أكبادَ الأزكياء، ونَبَت لحمه بدماء الشهداء؟! وكيف يستبطئ في بُغضنا أهلَ البيت مَن نظرَ إلينا بالشَّنَف والشَّنآن، والإحَن والأضغان؟".
وفاتها ومدفنها
اختلفت المؤرخون  حول سنة وفاتها ومكان مدفنها، ولكن أرجح الأقوال أنها توفيت سنة 62هـ، أي بعد واقعة كربلاء بسنة واحدة، أما من حيث مدفنها، فمنهم من قال انها نفيت من المدينة بأمر من يزيد، خشية تأليبها الناس على حكومته ، فاختارت مصر، وعاشت فيها ما يقارب السنة ثم توفيت ودفنت هناك، ومنهم من قال بل أخذها زوجها عبد الله بن جعفر الطيار الى الشام، ليسكنا في ضيعة كان يملكها، ثم توفيت ودفنت هناك، حيث قبرها الحالي بدمشق، الذي ترتاده الآلاف من الزائرين سنويا.  
هكذا كانت السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام، امرأة ولا كباقي النساء، تحملت مالا يطيق غيرها، كانت أنموذجا يُحتذى به للصبر والتحمل، كيف لا، وهي ابنة علي بن أبي طالب، والصديقة فاطمة الزهراء، ورثت منهما الصبر والكياسة والفصاحة، فهي امتداد لنموذجين رائعين، فسلام عليها يوم ولدت ويوم ماتت ويوم تبعث حية.