السبت - 17 رجب 1446هـ -
السبت - 17 رجب 1446هـ - 18 كانون الثاني 2025


أبو ذر الغفاري.. مظلوم الربذة
28 رجب 1443هـ
هو جندب بن جنادة الغفاري رضوان الله تعالى عليه، ولد قبل ظهور الدعوة الإسلامية بعشرين سنة، وكان يُعرف بأبي ذر الغفاري، قيل إنه رابع أربعة أو خامس خمسة في الإسلام، كان قوي الإيمان، شديد العزم، ثابت العقيدة، لا يخاف ولا يجامل على حساب الحق، ولا يتوانى عن فضح المفسدين.

اسلامه
سمع جندب بمبعث النبي محمد صلى الله عليه وآله، فأرسل أخاه أنيسا الى مكة وقال له: "أركب الى هذا الوادي، وأعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم آتني"؛ انطلق أنيس الى مكة ورأى النبي وسمع حديثه، ثم رجع الى أخيه جندب وقال له: "سمعته يأمر بمكارم الأخلاق ويقول كلاما ليس بالشعر"، فقال له: "ما شفيتني"، فتزود جندب وقصد مكة بنفسه، فالتمس النبي وهو لا يعرفه، فكره أن يسأل عنه، وحين أدركه الليل اضطجع في الطريق، فرآه علي بن ابي طالب عليه السلام فعرفه غريبا فقال له: "اتبعني"، فاستضافه ثلاثة أيام ثم سأله عن السبب الذي جاء به الى مكة فقال: "إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت"، فأعطاه علي موثقا فسأله جندب: "هل هذا النبي حق؟"، فأجابه علي: "إنه نبي وما جاء به حق، وإنه رسول الله"، ثم قال له : "فإن مضيتُ فاتبعني".
أنطلق علي عليه السلام يتبعه جندب الى بيت النبي صلى الله عليه وآله، حتى دخل معه مدخله، فسلم جندب على النبي صلى الله عليه وآله، فأجابه ثم قال له: "من أنت؟"، قال: "أنا رجل من بني غفار"، فعرض عليه الإسلام فأسلم.
كان أبو ذر قوي الإيمان، حاد اللسان، رفيع المكانة لا يخشى في قول الحق أحدا، وقد سببت له هذه الصفات؛ مشاكل كثيرة في حياته، فقد اصطدم مع أبي بكر وعمر بن الخطاب وكذلك مع عثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان، لأنه كان شجاعا ينتقد بشراسة، ويفضح الذين يخالفون قول الله، وسنة رسوله صلوات الله عليه وآله؛ علناً وعلى رؤوس الأشهاد.

نفيه الى الشام
لما أعطى عثمان، مروان بن الحكم وغيره من بني أمية؛ من بيت مال المسلمين، واختص زيد بن ثابت منها بشيء، جعل أبا ذر يجوب الطرقات رافعا صوته: "بشِّر الكافرين بعذاب أليم"، فقال له عثمان: "قد كثر أذاك لي وتولعك بأصحابي، إلحق بالشام"، فأخرجه اليها، وصل أبو ذر الى الشام وفيه معاوية بن أبي سفيان، فأخذ يعظ الناس ويروي لهم أحاديث سمعها من النبي صلى الله عليه وآله، فيها فضائل أهل البيت عليهم السلام، فنهى معاوية الناس عن مجالسة أبي ذر والاستماع الى حديثه.

ترحيله من الشام الى المدينة
كتب معاوية الى عثمان في المدينة كتابا قال فيه: "إن أبا ذر قد أفسد علي أهل الشام"، فأمر عثمان باستدعائه الى المدينة، وحين وصول أبي ذر الى المدينة، عرض عليه عثمان المال ليقطع بع لسانه، فأبى أن يأخذ شيئا، وظل على نهجه في انتقاد الحكام المفسدين، ولم يجد عثمان بداً من نفيه الى أسوأ بقعة في الأرض، ليس فيها مسلم واحد، بل كل سكانها من اليهود، الا وهي الربذة، وما أدراك ما الربذة؟ 

نفيه من المدينة الى الربذة
تحاماه الناس ولم يخرجوا لتوديعه خوفا من بطش عثمان، الّا علي بن أبي طالب عليه السلام وأخاه عقيل والحسن والحسين عليهما السلام، وعمار والمقداد بن الأسود وعبد الله بن عباس، ذهب أبو ذر الى الربذة مُكرَها منفيا، إذ ليس له فيها من ولي ولا نصير الا الله اللطيف الخبير.

كلمة علي بن أبي طالب عليه السلام في وداع أبي ذر رضوان الله تعالى عليه 
ورد في نهج البلاغة للإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام ما يلي: "يا أبا ذر، إنك غضبت لله فارجُ من غضبت له، إن القوم خافوك على دنياهم، وخفتهم على دينك، فاترك في أيديهم ما خافوك عليه، واهرب منهم بما خفتهم عليه، فما أحوجهم إلى ما منعتهم، وما أغناك عما منعوك، وستعلم من الرابح غداً، والأكثر حُسَّداً، ولو أن السماوات والأرضين كانتا على عبد رتقا ثم اتقى الله لجعل الله له منهما مخرجا، ولا يؤنسنك إلا الحق، ولا يوحشنك إلا الباطل، فلو قبلت دنياهم لأحبوك، ولو قرضت منها لأمنوك.

قالوا في أبي ذر رضوان الله تعالى عليه 
شرَّفه النبي صلى الله عليه وآله بحديثه المشهور: "ما أظلت الخضراء، وما أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر"، وقال فيه أيضا: "أبو ذر في أمتي شبيه عيسى بن مريم في زهده".
وقد سُئِل الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام عنه فقال: "ذلك رجل وعى علما عجز عنه الناس، ثم أوكأ (أغلق) عليه، ولم يُخرِج شيئا منه"، وفي حديث رواه علي بن ابي طالب عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: "الجنة تشتاق اليك - أي الى علي - والى عمار وسلمان وأبي ذر والمقداد".
ومن فضائله أنه كان أحد الذين حضروا تشييع فاطمة الزهراء عليها السلام ليلا، حيث دُفنت سرا حسب وصيتها.

وفاة أبي ذر رضوان الله تعالى عليه
قضى أبو ذر رضوان الله تعالى عليه في الربذة أياما شاقة، تخللتها الغربة والوحدة، وشظف العيش وقلة الناصر ووحشة الدار و سوء الجار، لم يكن معه الاّ زوجته وغلامه بن إسحاق، فلما أدركته المنية أوصاهما أن غسلاني وكفناني وضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمر بكم قولوا هذا أبو ذر فأعينونا عليه، فأنفذا وصيته، وبعد برهة أقبل عبد الله بن مسعود في رهط من العراق، فقالا له هذا أبو ذر صاحب رسول الله، فاستهل ابن مسعود يبكي ويقول صدق رسول الله، فقد سمعته يقول عن أبي ذر: "يمشي وحده ويموت وحده ويُبعث وحده"، ثم نزلوا وواروه الثرى، وكان من المشاركين في الدفن الصحابي الجليل حجر بن عدي الكندي.