الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ -
الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ - 24 تشرين الثاني 2024


الملا السبزواري.. ثاني أبرز شخصية في مذهب الحكمة المتعالية الفلسفي
30 ذو القعدة 1443هـ
هو الحاج هادي بن مهدي السبزواري، المعروف بـ «المُلاَّ السبزواري» أو «المولى السبزواري»، وهو من أبرز فلاسفة وحكماء مدرسة «الحكمة المتعالية الفلسفيَّة»، بل هو ثاني أبرز شخصية في هذا المذهب بعد مؤسسها الملاَّ صدرَا، وكذلك هو من العلماء المتفقِّهين الأفاضل في المذهب الجعفري، ولد في سبزوار سنة (1212 هـ)، وتوفي سنة (1289 هـ / 1873م)، وكان والده من تجّار سبزوار المالكين فيها، وأمَّه تنتمي إلى عائلة علمائيَّة.
أخذ ثقافته الأولى في مسقط رأسه في «سبزوار»، ثمَّ انتقل في سنَّ العاشرة بعد وفاة والده وأخذ علومه الأولى على يد ابن عمّته «الملاّ حسين السبزواري» في مشهد، وذلك بعد دخوله تحت رعاية وكفالة ابن عمَّته، بحيث كان له الأب والأستاذ والولي بعد وفاة والده. 
ثمّ بعد أن قضى حوالي العشرة سنوات في طلب علوم المنقول والمعقول انتقل إلى مدينة «أصفهان» التي كانت مركزًا علميًّا بارزًا في تلك المرحلة، وفيها ركَّز على العلوم العقليَّة التي كانت شغفه الكبير، وقضى فيها حوالي الثماني سنوات يدْرُس فيها على أيدي جملة من أعلامها، فدرس علم الكلام والفلسفة على يد «المولى إسماعيل درب كوشكي»، وكذلك درس فلسفة الحكمة المتعاليَّة على يد الحكيم «علي النوري»، وينقل أنَّه حضر بعض دروس الشيخ «أحمد الأحسائي».
وبعد أن تحصَّل على المقدار الذي كان يطلبه من العلم والمعرفة، رجع إلى مدينة «مشهد» ليبدأ في مرحلة العطاء المعرفي فيها، فَدَرَّسَ فيها المعقول والمنقول لسنوات، وحضر في درسه جملة من العلماء. 
ويُنقل أنَّه في سنة (1250 هـ) عزم على السفر لأداء فريضة الحج واصطحب معه زوجته، وفي رجوعه عبر البحر إلى «بندر عبَّاس» توفت زوجته، فتوجَّه بعد ذلك إلى مدينة «كرمان» ومكث فيها مدَّة من الزمن بعد أن تزوج مرة أخرى منها.
ثمَّ رجع أخيرًا إلى مسقط رأسه «سبزوار» وبقي فيها متفرّغًا لتَدْرِيس العلوم العقليَّة والشرعيَّة، وكذلك للكتابة والتأليف، فاجتمع حوله عدد كبير من الطلاب، وذاع صيته في الحكمة والعرفان والسير والسلوك، واتَّسعت حلقة درسه، فقضى بقية حياته في مسقط رأسه بين التَّدرِيس والتأليف حتى وافته المنيَّة سنة (1289 هـ / 1873م ). 
وينقل أنَّ آخر ما نطق به الملاَّ السبزواري في حياته، وذلك قبل أن يلفظ آخر أنفاسه، عبارة بالفارسيَّة، تترجم للعربية بـ «التجلّي واحد، المتَجَلّي واحد، والمتجلّى له واحد، إلى متى أقول؟ مَن كان آخر كلمته لا إله إلاّ الله وَجَبَت له الجنّة». 
وقد عُرف الملاَّ السبزواري بالإضافة إلى نبوغه وحبِّه للحكمة الفلسفيَّة والإلهيات، وكذلك ميله نحو العرفان والسير والسلوك، بحيث كان زاهدًا في الدنيا راغبا عن شؤونها، معرضًا عن الشأنيات الإجتماعيَّة والعلميَّة، حتى أنَّه ينقل أنَّ  «ناصر الدين شاه» القاجاري الحاكم على الدولة القاجاريَّة في ذلك الزمان، وعندما كان يزور مدن إيران، دخل إلى مدينة «سبزوار» التي كان فيها الملاَّ السبزواري، فخرج النَّاس لاستقبال الحاكم، إلاَّ أنَّ الملاَّ السبزواري بقي في بيته ولم يخرج لاستقباله، وعندما لم يجده ناصر الدين ضمن الحشود المستقبلة له، توجه لزيارته في بيته. 
وبعد أن التقى ناصر الدين شاه بالملاَّ السبزواري في بيته، أراد الشاه أن يكّرم الملاَّ السبزواري لما له من فضل وعلم، فقال الشاه للملاَّ: "إن أردت سوف أعفي أرضك من الضريبة، فرفض الملاَّ ذلك، متحجِّجًا بأنَّه إذا تمَّ ذالك، سيكون على حساب أموال الفقراء والأيتام". 
وفي هذه الزيارة ينقل أنّ الشاه طلب من الملاَّ أن يكتب له كتاب يجمع فيه خلاصة الحكمة النظرية والعملية على وفق المباني التي يتبنَّاه الملاَّ السبزواري، فكتب له الكتاب المعروف بـ «أسرار الحكم في المفتتح والمختتم» باللُّغة الفارسيَّة.


من أبرز أساتذته: 
• المولى حسين السبزواري، أبن عمته وكافله وراعيه. 
• المولى إسماعيل الدربكوشكي الأصفهاني، المشهور بـ «بواحد العين»، وهو من أبرز أساتذة الفلسفة والحكمة في أصفهان. 
• المولى علي بن جمشيد النوري، الذي أخذ منه فلسفة الحكمة المتعاليَّة التي أسَّسها الملاَّ صدرَا . 

من أبرز تلامذته: 
• الشيخ مرتضى الأنصاري: وهو الفقيه المجدَّد صاحب أشهر الكتب الدرسيَّة في الحوزة العلمية المعاصرة  «المكاسب» في الفقه الإستدلالي، وينقل أنَّه أخذ مبادئ الحكمة المتعاليَّة من أستاذه الملاَّ السبزواري  . 
• الشيخ محمد كاظم الخرساني: المشهور بـ «الآخُوند الخُرَساني»، صاحب أبرز مُؤلَّف درسي في الحوزة العلمية المعاصرة في أصول الفقه «كفاية الأصول». 

وقد عُرف الملاَّ السبزواري بشروحه لمصنَّفات مؤسس مذهب الحكمة المتعالية، بل في الحقيقة يعتبر الملاَّ السبزواري من أهم روّاد مذهب «الحكمة المتعالية الفلسفية»، ومن أشد المدافعين عنها وعن مبادئها الفلسفيَّة، وهذا نجده جليّ في منظومته الشعريَّة المعنونة باسمه، والتي جمع فيها جوامع المطالب المنطقية والفلسفية، ثم شرحها بعد ذالك فكانت من أهم المقرّرات الفلسفية التي تجذب كل طالب ومتلّهف للحكمة الفلسفيَّة على وفق مذهب الحكمة المتعاليَّة. 


ومن أثاره العلميَّة: 
• تعليقات على الأسفار، للملاّ صدرا . 
• تعليقات على الشواهد الربوبيّة، للملاّ صدرا . 
• تعليقات على المبدأ والمعاد، لنفس المؤلف السابق . 
• تعليقات على مفاتيح الغيب، لنفس المؤلّف السابق .
• تعليقات على البهجة المرضية في شرح الألفيّة، لابن مالك في النحو . 
• تعليقات على شوارق الإلهام في علم الكلام، للمحقّق عبد الرزّاق اللاهيجي، لم يطبع. 
• تعليقات على الشفاء، لابن سينا . 
• رسالة في اشتراك الوجود والصفات الإلّهيّة بين الحق والخلق . 
• رسالة في مشاركة الحدّ والبرهان. 
• منظومة شعريَّة في المنطق والفلسفة مع شرحها . 
• كتاب المقياس، منظومة فقهيّة، لم تطبع .
• كتاب أجوبة المسائل، وهي مجموعة من الأجوبة لعدّة رسائل كتبت إليه من شخصيات علمية.
• كتاب أسرار الحكم في المُفْتَتَح والمُخْتَتَم، كُتِب بطلب من الشاه ناصر الدين القاجاري باللَّغة الفارسيَّة.
وغيرها من المنظومات والرسائل والمصنَّفات، التي تناولت جملة من الحقول المعرفيَّة، منها العرفان والفقه، والفلسفة، وعلم الكلام ......... الخ.