السبت - 19 ربيع الأول 1447هـ -
السبت - 19 ربيع الأول 1447هـ - 13 أيلول 2025


النظريات الدينية.. ومضة من التعددية الدينية وسلمية التعايش
20 جمادى الاول 1443هـ
ذكر مفكرو الدين ثلاث نظريات، مثّلت الرؤية الدينية للأديان تجاه بعضها البعض، هي: الانحصارية، والشمولية، والتعدّدية، موضوعة بحثنا هي الأخيرة، انتظمت بعدّة قراءات فسّرت كل واحدة النظرية بطريقة تراها هي الأقرب والأوجه، علماً أنَّها لم تكن تمثّل الموقف الرسمي لأي ديانة، بل الانحصارية كانت السمة البارزة لمواقف الأديان، وقد انتظمت التعدّدية الدينية في عدّة قراءات تختلف بلحاظ ما، والقراءة الجونهيكية أهمّها لمعاصرتها لنا، ومحوريتها في مسائل علم الكلام الجديد. وفي نفس الوقت لم تخلو هذه النظرية من مدّعيات ومبرّرات لوجودها، ومن أقسام داخلية.
أمّا جذورها التاريخية فقد وجدنا آثاراً قديمة نسبت إلى يوحنا الدمشقي، لكن النسبة لم تثبت، وكذلك قد نتلمس بذور لها عند إخوان الصفا والجاحظ والغزالي والعرفاء، ولكن تبقى النسبة الكنسية الغربية حاضرة وبقوّة، ومنذ الثورة الإصلاحية اللوثرية والكالفينية. 
وكغيرها من الموضوعات لم تكن التعدّدية خالية من العوامل والمناشئ التي أدّت إلى ظهورها، فقد كانت هناك عدّة عوامل وأسباب لبروز هكذا رؤية، وأيضاً كانت الأهداف حاضرة حتى لا تكون لغوية في طرحها، أمّا المباني والأُسس فقد تعدّدت حتى وجدنا تخبطاً واضطراباً عند الباحثين في عددها وماهيتها فمنها فلسفي معرفي وآخر كلامي ديني، وقد انجرّ التخبّط نحو الأدلّة فقد كان هناك تداخلاً كبيراً بين ما هو هدف وما هو مبنى وأساس. بعد هذا كلّه كانت النظرية تحت وابل النقود والطعون تركّزت على أُسسها ومبانيها المعرفية الفلسفية والكلامية، واللوازم الباطلة المترتّبة عليها.
أمّا موقف الأديان تجاه هذه النظرية والفكرة فلم يتغيّر على المستوى القرار الرسمي من التزام النظرة الانحصارية القائلة بنجاة وحقانية أتباعها فقط، وقد لاحظنا هذا الموقف لدى الأديان السماوية بشكل واضح وجلي، وموقف قريب منه لدى الأديان الأرضية أيضاً، وهذا لا يعني عدم وجود أصوات من هنا وهناك لدى مفكري هذه الديانات تدعو إلى الفكرة التعددية القائلة بصوابية كل الأديان وحقّانيتها، لكن تبقى مجرّد أصوات لا ترتقي إلى القرار الرسمي وإن امتلكت تحليلات وتقديم مبرّرات وحلول لإشكاليات تعدّد الأديان.
ولم يكن مبدأ التسامح وسلمية التعايش بين المجتمعات الدينية أجنبياً عن نظرية التعدّدية الدينية، فالغاية والهدف المعلن من قبل مفكريها وملتزميها هو إشاعة روح التسامح وتطبيق مبدأ التعايش السلمي القاضي بالخلاص على مشاكل كثيرة من الاختلاف الديني. وقد وجدنا تفاوتاً في تحديد ماهية التسامح بين المفكّرين. 
أمّا المحور في هذا البحث هو إفرازات هذه النظرية، فقد تنوّعت بين الإيجاب والسلب وفي مجالات عدّة، منها ما هو معرفي واجتماعي ونفسي، لعدم عقلانية كونها جميعاً سلبية أو إيجابية، والضابطة في هذا المجال لم تكن محرّرة بشكل واضح، بل هي مجرّد أفكار واقتراحات جمعت عند من طرح هذا البحث للمناقشة. وقد وقع هناك تعارض معرفي واجتماعي ونفسي بين السلبي من الإفرازات، والضرورة القائلة بلا بديّة إيجاد تعايش سلمي يجنّب الإنسانية مخاطر الدمار والاحتراب.
ولا يخلو البحث العلمي من الأفكار التي قد تسهم في إيجاد الحلول لهذا التعارض، وإن لم تكن مطروحة تحت هذا العنوان، بل هي أُطروحات ومشاريع شكّلت رؤية لمفكّرين يحاولون إيجاد حلول لمشاكل التعارض بين الأديان وتداعياته السلبية على التعايش الإنساني.

صلاح القصاب الحلفي