الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ -
الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ - 24 تشرين الثاني 2024


العمل في الاسلام
8 شوال 1442هـ
يشتغل الإسلام على الإنسان اشتغالا منطقيا، يتسق وفطرته، خصوصا فيما يعنى بحاجاته وضروراته، ومن ذلك تثويره لروح العمل فيه بما يمنعه من الانزلاق في اجواء الرهبنة التي قد تجعل منه أداة خاملة وتطفئ فيه جذوة العطاء.
واتساقا مع سببية الإيجاد والنشأة، ومنها بطبيعة الحال، عمارة الأرض وإدامتها وصولا لمرحلة الإستخلاف عليها، يؤكد الإسلام كثيرا على أهمية العمل في حياة الفرد، بل ويمنعه من أن يتكل على الاخرين، أي كان هذا الفرد، ومهما علا شأنه، نبيا كان أم فردا عاديا. صحيحا كان أم عليلا؛ ما جعل من المأثور العصموي من اقوال وتقريرات، تندب المسلمين وتستنفرهم لهمة العمل، فعن الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام في مورد أجابته عن أحد اصحابه الذي ترى التجارة اقبالا منه على العبادة، فقال عليه السلام: "ويحه، أما علم أنّ تارك الطلب لا يُستجاب له دعوة؟ إنّ قوماً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمّا نزلت (( ...... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ......))(سورة الطلاق ـ 65)، أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة وقالوا (قد كفينا)، فبلغ ذلك النبي صلوات الله عليه وآله وسلم فأرسل إليهم وقال: "ما حملكم على ما صنعتم؟"؛ فقالوا: "يا رسول الله تكفّل الله بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة"، قال: "من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب".
وأبعد من ذلك، عّد الإسلام العمل نوعا من الجهاد، فقد ورد عن النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله، أنه قال: "طلب الحلال جهاد".
وتأتي تأكيدات الإسلام على أهمية العمل في حياة الفرد المسلم لسباب كثيرة، ومن ذلك أنه ـ العمل ـ يمنع المسلم من أن يثقل الأخرين بكاهل إعالته كما يمنعه من التكاسل بالتواكل على غيره، بل ويؤجج فيه متعة الأكل والشرب واللبس بما تكده يداه، ففي ذلك كرامة له واحتراما منه لأدميته، بل وابعد من ذلك/ عّد ـ الإسلام ـ العمل نوعا من العبادة، فقد ورد عن النبي الكرم محمد صلوات الله عليه وآله أنه قال: "العبادة سبعون جزءاً أفضلها طلب الحلال".
من جهة أخرى، فأن الإسلام قدّس العمل وأسبغ عليه هالة من التعظيم، مهما كان نوعه ـ بطبيعة الحال أن ذلك مشروطا بأن يكون هذا العمل مشروعا ـ على اعتبار أن هذا العمل أو ذاك، ما هو إلا خدمة جليلة يقدمه العامل لأبناء جنسه، وبالتالي ينطبق عليه وصف عمارة الأرض وإدامتها من خلال ما يخدم به البشرية.
واللطيف في ذلك أن الإسلام منع من أعانة الكسول!؛ القادر على العمل! مع توافر فرصه أمامه، بل ويرى الفقهاء والحال هذا، أنه لا يستحق إعطاءه من الأموال الشرعية الزكاة والخمس فضلا عن الهبة، على اعتبار أن فقره هذا أنما هو نتاج كسله وتركه للعمل دون وجه حق.
وابعد من ذلك، يوجب الإسلام العمل بنحو الوجوب الكفائي، أي أنه يفره على كل مستطيع وقادر العمل، بل ويأثمه على تكاسله وتقاعسه، كما يعده ـ الإسلام للعمل ـ خدمة للمجموع الإنساني، لأنّ الناس محتاجة إلى كلّ أنواع العمل، وصولا لتكامل أسباب حياتهم المجتمعية، لأنّ أي فرد (بمفرده) غير قادر على توفير كل احتياجاته، وبالتالي فهو عيال ومحتاج لعمل الأخرين في الوقت الذي يحتاجون هم لعمله، ففي الوقت الذي يقوم به فرد ما بعمل من ضمن اختصاصه أو قدرته، فهو يهوّن على الناس ويسهّل عليهم تأمين احتياجاتهم، ناهيك عن استحقاقه لعمل غيره ضمن اختصاص أخر، وبالتالي فأن تكاسل البعض سيؤدي الى نقص في الخدمات المطلوبة من الأخرين وهو ما قد يؤدي الى صعوبة حياتية. 
والأهم من كل ذلك؛ ما يمنحه العمل للفرد العامل من قيمة اعتبارية تشعره بفاعليته وأهميته في المجتمع، وبين أهله وناسه، في وقت لا ينال فيه الفرد العاطل سوى على اللوم والازدراء، لأن قيمة المرء، لأن قيمته مرهونة بما يقدمه لنفسه وللأخرين، وقد وصف أمير المؤمنين علي عليه السلام ذلك بقوله: "قيمة كلّ امرء ما يحسنه".
وكنتيجة طبيعة، فأن التكاسل سيؤدي حتما الى مفاسد وفتن ومشاكل للفرد من جهة، وللمجتمع من جهة أخرى، على اعتبار أن انعدام توافر المال ـ وهو الوسيلة الحقيقية لتأمين حياة الفرد ـ لدى الفرد العادي، قد يجره الى ارتكاب السرقة او القتل او الحيلة والمكر وغير ذلك من الوسائل غير المشروعة، بغية تأمين متطلباته، وهو ما يؤدي الى اضطراب الحياة وبالتالي الاختلال المجتمعي، وهو ما لا يريده الشارع المقدس من الناس؛ بأي حال من الأحوال. 

قد يهمك ايضا ـــــــــــــــــــــ