الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ -
الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ - 24 تشرين الثاني 2024


غدير خم... الحدث والقضية المفصلية
19 ربيع الأول 1443هـ
يمنح المصلحون قضاياهم أهميتها بقدرٍ يكون به الحدث كاملا، وتنتفي عليهم به المحاججة ممن يبتغي التشكيك بهم وبها، وهذا ينسحب على أُس الإصلاح المتمثل بِحَمَلَة كلمة الله من أنبياء ورسل.
ويجد المتتبع للأحداث المفصلية فيما مضى من أمم، أن أهميتها يستتبع وضعها في مستوى تكون به عند الناس "ذات أهمية" و "بعيدة عن الشك والتخرص"، وهذا يتطلب منهم وضعها في بيئة معرفية، تكون به مسلمة وبديهية. 
وحديثنا عن يوم الغدير، يستلزم منا الخوض في القضية وفي توقيتاتها، فضلا عن ملابسات تحققها، وظروف وقوعها، بل وآلية ترسيخها لدى الجمهور.
ويوم الغدير ـ الذي سيصبح عيدا بعد لحظات من حدوثه، وستتكرر مناسبته وإرهاصاتها سنويا ـ هو اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة لعشر سنوات خلون بعد هجرة النبي الأكرم صلوات الله على صاحبها وآله.
وسمي بالغدير، لأن حدثه كان قرب غدير ماء يسمى "غدير خم" والذي يقع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وذلك عن عودة النبي الأكرم عليه وآله الصلاة والسلام من حجة الوداع مع آلاف من صحابته وأهل بيته. 
والمهم في هذا الحدث، هو التنصيب الإلهي لأُمرة المسلمين بعد ـ النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام ـ للإمام علي عليه السلام، إذ جمع الرسول محمد صلوات الله عليه وآله عشرات الألاف ـ بل وأكثر من مائة الف ـ من مريديه في طريق عودتهم من حجة الوداع (أخر مناسك حج للنبي الأكرم محمد صلوات الله عليه وعلى آله)، عند منطقة وسطية بين مكة والمدينة الشريفتين، وراح يملي عليهم خطبته العصماء التي نصّب من خلالها وصيه وأبن عمه علي بن ابي طالب إماما على المسلمين، وذلك بعد أن نزلت الآية (67) من سورة المائدة ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ))، حيث كان الأمر الإلهي للنبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله، إن أّمر عليا وليا على المسلمين من بعدك، فأخذ النبي يد وصيه ورفعها صادحا بالقول الصريح: " من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم والِ من والاه و عادِ من عاداه"، وبذلك صار عليا عليه السلام إمام للمسلمين وخليفة لرسولهم عليهم ووليا من بعده. 
وعن صادق أهل البيت الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام قال: "واسْمُهُ ـ يوم الغدير ـ فِي السَّمَاءِ يَوْمُ‏ الْعَهْدِ الْمَعْهُود، وفِي الْأَرْضِ يَوْمُ الْمِيثَاقِ الْمَأْخُوذِ والْجَمْعِ الْمَشْهُودِ"، بل يقول فيه عليه السلام بأن: "يَوْمَ الْغَدِيرِ فِي السَّمَاءِ أَشْهَرُ مِنْهُ‏ فِي‏ الْأَرْضِ".
ويصنف عيد الغدير وواقعته بأنه الحدث الثالث من حيث الأهمية بعد نزول القرآن الكريم وهجرة النبي الأكرم صلوات الله عليه وعلى آله. 
كما يعتبر عيد الغدير أعظم أعياد المسلمين وأنبلها وأشرفها بل ويُعّد عيد الله الأكبر حتى قال فيه الإمام الصادق عليه السلام عن جده الرسول الأكرم صلوات الله عليه وعلى آله: "يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ أَفْضَلُ‏ أَعْيَادِ أُمَّتِي‏، وهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي أَمَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِيهِ بِنَصْبِ أَخِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام عَلَماً لِأُمَّتِي يَهْتَدُونَ بِهِ مِنْ بَعْدِي، وهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي أَكْمَلَ اللَّهُ فِيهِ الدِّينَ، وأَتَمَّ عَلَى أُمَّتِي فِيهِ النِّعْمَةَ، ورَضِيَ لَهُمُ الْإِسْلَامَ دِينا".