الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ -
الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ - 24 تشرين الثاني 2024


بالمقارنة مع الديانات والحضارات السابقة... كيف عالج الإسلام الرق والعبودية؟
6 جُمادى الآخرة 1443هـ
تأريخ العبودية 
عرفت المجتمعات الإنسانية منذ أقدم العصور نظاما بائسا مقيتاً، اضطهد شريحة كبيرة من المجتمع البشري، وعلى وجه الخصوص، الجنس الأسود منهم، إنه نظام العبودية المشؤوم، ومعناه أن يمتلك الإنسان إنسانا آخر، يتحكم بمقدراته ويصادر حرياته ويستعمله حيث يشاء. 
ولا نعرف متى وأين وكيف بدأ هذا النظام؛ الّا أن المصادر التاريخية تشير الى تَجذُّر العبودية في عمق تاريخ البشرية منذ أقدم العصور، ولعلّها نشأت منذ تحوّل الانسان من حرفة الصيد والرعي الى حرفة الزراعة، حيث استخدمت بعض الشعوب؛ العبيد في أغراض ومجالات الزراعة، فضلا الحربية والإنشائية بل وحتى الخدمة في البيوت، وكانت لهم أسواق يباعون بها تسمى بأسواق النخاسة.

العبودية في العصور القديمة
كان الرق موجودا زمن الفراعنة، اذ كان الملوك والكهنة وقواد الجيش المصري يتخذون أسرى الحرب عبيدا لهم، حيث كانوا يستخدمونهم لأغراض الزراعة وشق الترع وبناء الجسور والمعابد والأهرامات، وحتى قصورهم، هي الأخرى؛ كانت مليئة بالعبيد للعمل والخدمة والمتعة، وكان عبيد القصور يحظون بمعاملة حسنة، فليس للحر أن يقتل جارية، ومن قتل عبدا فإنه يُقتَل به، وهذا خلاف ما هو متعارف عليه في الأمم الأخرى. 
أما الآشوريون والبابليون، فقد كان الرق موجودا عندهم على أوسع نطاق، فقد عُثِر على وثائق في عهد الملك نبوخذ نصر تخص العبيد، حيث كان مصدرهم من العبيد آنذاك؛ أسرى الحروب، وما يحصل عليه البدو من غاراتهم على المناطق المجاورة.

العبودية في العصور الحديثة
مارس البرتغاليون النخاسة وتجارة العبيد في القرن الخامس عشر الميلادي، ومن ذلك مثلا تأسيسهم لمراكز تجميع العبيد على السواحل الأفريقية، ليرسلوهم الى البرتغال بواقع (750) عبد سنويا، أما في القرن السادس عشر الميلادي، فقد مارست اسبانيا نظام العبودية، حيث كانت تجمعهم من أفريقيا ثم ترسلهم قسرا الى مستعمراتها في المناطق الاستوائية من أمريكا الجنوبية للعمل في الزراعة، وفي العام 1619م؛ وصلت الى أمريكا أول طلائع العبيد ليستخدمهم الإنكليز في الأعمال الشاقة ومنها الزراعة.   
منذ سنة 1814م أي بعد توقيع دول أوربا على معاهدة منع تجارة العبيد، بدأ العبيد بالحصول على بعض حقوقهم الإنسانية، بعدها وقعت بريطانيا على معاهدة ثنائية مع أمريكا لقمع تجارة العبيد، ثم تطورت الأمور الى خير، حين أخذت السفن البريطانية والفرنسية تطارد سفن تجار ومهربي العبيد، وفي عام 1906م عقدت عصبة الأمم مؤتمر العبودية الدولي، لتقرر من خلاله، إلغاء العبودية ومنع تجارة العبيد، وأقرت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

أفريقيا مصدر العبودية
عرفنا مما سبق أن قارة أفريقيا كانت المصدر الرئيسي للعبيد في العالم، فقد مارس المستعمرون والتجار خطف العبيد من بين أهليهم من المناطق الساحلية ومن وسط أفريقيا، ثم تجميعهم وبيعهم في أسواق أوربا وأمريكا، خصوصا في الجنوب الأمريكي، حيث الأراضي الزراعية الجديدة المفتوحة التي تحتاج الى العمالة الكبيرة.
لم يكن للعبيد من حقوق إنسانية أبدا، كانوا أشبه ما يكونون بالحيوانات المطيعة التي تَكِدُّ مقابل العلف، فقد كانوا يُكَلّفون بالأعمال الشاقة منذ الصباح الباكر وحتى المساء في مواقع عملهم، لا يتقاضون سوى ما يأكلونه من طعام بسيط، وخِرقة يسترون بها عوراتهم فقط.

العبودية في اليهودية 
أباحت اليهودية الرق والعبودية، فقد أباحت التوراة الاسترقاق عن طريق الشراء أو السبي في الحروب، فقد كان للعبري أن يستعبد العبري لفترة محدودة من الزمن، وهي ست سنوات فقط، ومنها أن يبيع الفقير نفسه للغني، أو المدين للدائن ضمن المدة المحددة، فقد ورد في سفر الخروج (اذا اشتريت عبدا عبريا فست سنين يخدم وفي السابعة يخرج حرا مجانا)، وكذلك اذا سرق السارق فإنه يحق للمسروق منه استعباده اذا لم يملك العوض، كما أباحت التوراة أن يبيع العبري بنته، فتكون أمة للذي يشتريها، أما فيما يخص أسرى الحروب، فقد ورد في العهد القديم أن من يخسر الحرب يكون غنيمة للمنتصر هو وأهله ومواشيه.

العبودية في المسيحية
أما المسيحية، فلم تكن تعترض على نظام العبودية الوارد في التوراة أبدا، ولم تكن تتطرق الى وضعهم ومعاناتهم، ولم تعمل على تحريرهم، بل على العكس فإنها أثبتت حقوق السادة وواجبات العبيد.
ورد عن بولس الرسول أنه أمر العبيد بطاعة ساداتهم كما يطيعون المسيح، فقد جاء في رسالته الى أهالي مدينة أفسس: ((أيها العبيد، أطيعوا ساداتكم حسب الجسد بخوف ورعدة في بساطة قلوبكم كما المسيح، لا بخدمة العين كمن يرضي الناس، بل كعبيد المسيح، عاملين مشيئة الله من القلب، خادمين بنية صالحة كما للرب ليس للناس، عالمين أن مهما عمل كل واحد من الخير فذلك يناله من الرب عبدا كان أم حرا)).

العبودية في العصر الجاهلي
لم يكن عرب الجاهلية يختلفون عن الأمم التي زامنتهم أو التي سبقتهم في مضمار العبودية، فقد كانوا يحصلون على العبيد من خلال الغزوات والحروب التي ينتصرون فيها، فيأخذون النساء والأطفال، جواري وعبيدا لهم، إضافة الى الذين يشترونهم من سوق النخاسة، أو الذين يأتون بهم من بلاد الحبشة القريبة.
لقد كانت تجارة العبيد رائجة في البلاد العربية في ذلك الوقت، وكان من تجار العبيد المعروفين بمكة آنذاك هو عبد الله بن جدعان.
ويذكر لنا التاريخ أن بعض الذين أدركوا الإسلام كانوا عبيدا، كزيد بن حارثة الذي اختُطِف وهو صغير، ثم بِيع بسوق عكاظ، فاشتراه أحد أقارب خديجة بنت خويلد رضوان الله تعالى عليها، فضلا عن بلال بن رباح الحبشي، الذي كان عبدا لبني جمح من قريش، كما يروي لنا التاريخ قصة سلمان المحمدي، وكيف غدر به أدِلّاؤُه الى يثرب، فباعوه عبدا لأحد اليهود هناك، قبل أن يفتدي نفسه ويلتحق في صفوف المسلمين، وغيرهم كثير.

العبودية في الإسلام
لما كانت رسالة السماء ذات طبيعة شمولية في تعاملها مع أفراد الجنس البشري، فقد نظرت الى الناس جميعا من منظار العدل والمساواة ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) (الحجرات -13)، لقد وردت كلمة الناس في موارد كثيرة من كتاب الله تعالى، وهي كلمة تفيد الإطلاق، أي جميع الناس من ذكر وأنثى، وحر وعبد، وأبيض وأسود. 
كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال في إحدى خطبه : "يا أيها الناس ألا إن ربَّكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى، أَبلَّغت؟ قالوا بلَّغ رسول الله صلى الله عليه وآله".
نفهم مما تقدم أن الناس جميعا سواسية كأسنان المشط في نظر الشارع الإسلامي المقدس، وإن معيار التمايز بينهم هو معيار التقوى لا غير، وأن لا فرق بين بني البشر جميعا من حيث اللون والعرق والانتماء، ولنا في سيرة النبي صلى الله عليه وآله في ذلك أسوة حسنة، فقد رفع من قدر بلال بن رباح الحبشي، وسلمان الفارسي، وصهيب الرومي، في الوقت الذي حطَّ من قدر أبي لهب وهو عمه القريشي.

الميراث الثقيل
العبودية ميراث ثقيل، ورثه الإسلام من العصر الجاهلي، نظاما متجذرا في جميع أوساط المجتمع آنذاك، فقد كان لسادات مكة وكبرائها، والميسورين من عامتها، عبيد وخدم يستعملونهم في الرعي والبناء والتجارة والخدمة في البيوت، فهم يرون أنفسهم أكبر من أن يرعوا المواشي أو يحلبوها بأنفسهم أو يشتغلون بأيديهم، وكذلك نساؤهم فيما يخص العمل في البيوت، فالعبودية مكسب حصل عليه المستعبدون لإنجاز أعمالهم وتسيير امورهم، فلم يكن من السهل عليهم التخلي عنها، كما لا يستطيع الإسلام وقتئذ مواجهتهم بالتحريم الفوري. 

موقف الإسلام من العبودية
يقف الإسلام بالضد تماما من نظام العبودية، ولكن تحريمه مرة واحدة ومن أول وهلة، كان أمراً متعذراً لا يمكن القول به، ولا القبول به في ظل الأمر الواقع، على هذا الأساس، ارتأى الإسلام أن يتدرج في القضاء على هذا النظام، بوضع الآليات المناسبة التي لا تتعارض مع الواقع الموجود آنذاك، والتي من شأنها أن تؤدي الى تقويض نظام العبودية تدريجيا وبمرور الزمن، دون أن يُحدِث ردة فعل عنيفة قد لا تكون في مصلحة الإسلام آنذاك، وقد نجح نجاحا كبيرا في رؤيته هذه، ولكن ماهي هذه الآليات؟

علاج الإسلام للعبودية
رغم أن الإسلام لم يحرم العبودية نصاً، الا أنه عالجها بطريقة ذكية أدت الى انقراضها بمرور الزمن، فلن تجد الآن في الوسط الإسلامي عبدا ولا جارية، فقد سلك الإسلام سبيل التدرج وذلك بالعبارة المعروفة (عتق رقبة) أي تحرير العبد أو الجارية من الرق، والتي ورد ذكرها مرارا في القرآن الكريم نذكر منها: 
ـ قوله تعالى: ﴿(فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11 (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) (البلد -11ـ12)
ـ قوله تعالى: ﴿(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾)(النساء-92)
ـ قوله تعالى: (﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ      
بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾) (المجادلة-3)
- قوله تعالى: ﴿(وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ)( (النور-33)

الكفارات التي تتضمن عتق رقبة
- كفارة من أفطر في شهر رمضان متعمدا دون عذر شرعي.
- كفارة الإفطار في الاعتكاف.
- كفارة نقض العهد أو النذر.
- كفارة جز المرأة شعرها في المصاب.
- كفارة القتل العمد.
- كفارة القتل الخطأ.
- كفارة الظهار.
- كفارة من حلف بالبراءة من الله أو من رسوله أو الأئمة.
- كفارة اليمين.

شبهة أن الإسلام لم يحرم العبودية
ذكرنا فيما سبق أن العبودية نظام متجذر في المجتمع الجاهلي، وأنه يحتاج اليها في حياته اليومية، خصوصا سادة القوم والميسورون منهم، على هذا الأساس لم يستطع الإسلام تحريمها، بل وضع لها قواعد وأحكاما تؤدي بالنتيجة الى انقراضها من دون تحريم، ثم أن الإسلام وجّه بمعاملة العبيد معاملة حسنة تليق بهم كبشر، فحرّم قتلهم أو اضطهادهم، بل حث على شرائهم وعتقهم، وهكذا كان يفعل النبي والأئمة المعصومون صلوات الله عليهم، فقد اشترى بعضهم أعدادا كبيرة من العبيد، يعلمهم ويهديهم ثم بعد ذلك يعتقهم لوجه الله تعالى، بينما ظلت العبودية سارية في المجتمع الأمريكي والأوربي الى وقت قريب، قبل أن يبدلونها بالاستعمار الحديث واستعباد الشعوب سياسيا واقتصاديا وعسكريا.