السبت - 17 رجب 1446هـ -
السبت - 17 رجب 1446هـ - 18 كانون الثاني 2025


الحواري الأول علي بن ابي طالب ... علي والحق بفلك واحد
14 ربيع الثاني 1439هـ
"ربِّ أني مؤمنة بك وبما جاء من عندكِ من رسلٍ وكتب، وأني مصّدقة بكلام جدّي ابراهيم الخليل عليه السلام، وأنه بنى البيت العتيق، فبحق الذي بنى هذا البيت، وبحق المولود الذي في بطني؛ لما يسَّرْت عليَّ ولادتي".
بهذه الكلمات، تمتمت فاطمةُ بنت أسد وهي تلتصق بجدار الكعبة الشريفة، لينشق لها حائطها، إكراما وإجلالا لها ولمخاضها الذي سينبثق عنه تتمة الرسالة الإسلامية وصنو حاملها النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله.   
نعم... في جوف الكعبة؛ ببيت الله الحرام، وفي يوم الله، الجمعة؛ الثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة؛ الموافق للعام خمسمائة وتسعة وتسعين من ميلاد السيد المسيح عليه السلام، حيث جاء المخاض للسيدة فاطمة بنت أسد، فكانت الكرامة الأولى لوليدها المقدس، علي بن ابي طالب، إذ لم يولد قبله ولا بعده أحد فيها. 
أسمه علي بن ابي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان من نسل النبي إسماعيل بن النبي إبراهيم عليه السلام.
وأمه هي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وكانت من رسول الله بمنزلة الأم لولد، حيث ربته في حجرها؛ وكانت من السابقات إلى الإيمان، بل وممن هاجر معه إلى المدينة المنورة، ومن شدة اعتزازه بها؛ أن كفّنها بقميصه درءً لهوام الأرض عنها، بل وتوسد في قبرها تأمينا لها من ضغطة القبر.
ولما كان أبو طالب في شظف من عيشه ـــ خصوصا في تلك الأيام التي عانت فيها مكة أزمة القحط واليباس ـــ فضلا عن كثرة عياله، فتولى النبي الأكرم محمد صلوات الله عليه وآله، تربية الإمام علي عليه السلام، فكان بذلك مربيه الأول واستاذه الأمثل، حيث قال أمير المؤمنين علي عليه السلام عما خصه به رسول الإنسانية من رعاية وحنو:
"وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره، ويكنفني إلى فراشه، ويمسني جسده ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة".
كل ذلك، فضلا عن الاستعدادات الفطرية للإمام علي عليه السلام جعلته في أهلية الاصطفاء الرباني؛ كإمام يُتمّم بإمامته ما بدأه ابن عمه الرسول الأكرم محمد صلوات الله عليه آله في رسالته الإسلامية السمحاء، ليكون بذلك الأول من حواريه ونقبائه وأوصيائه الاثني عشر، خصوصا وأن النبي محمدا صلى الله عليه وأله قد تّوجه بأمر من الله سبحانه وتعالى يوم الغدير بولايته للمؤمنين وإمرتهم بعد أن قال لهم :" من كنت مولاه فعلي مولاه"، ليتم عليهم بذلك نعمته بالإسلام لتنزلُ الآية القرآنية الكريمة صادحة بالحق العلوي قائلة، ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا))(المائدة ـ 3).
تزوج الإمام علي عليه السلام من فاطمة بنت النبي الأكرم محمد سلام الله عليهما في الأول من ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة الشريفة، لتولد له الحسن والحسين عليهما السلام، وزينب الكبرى وزينب الصغرى المكنّاة بأم كلثوم عليهما السلام. 
من ألقابه، أمير المؤمنين وأبو الريحانتين ويعسوب المؤمنين وأبو تراب ومبيد الشرك والمشركين وولي أمر المؤمنين وأمير البررةِ وصاحب اللواء وسيد العرب وخاصف النعل والشاهد وباب مدينة العلم وغرة المهاجرين وصفوة الهاشميين والكرار غير الفرار وأبو الأرامل والأيتام ومذل الأعداء ومعز الأولياء وقدوة أهل الكساء وأبو الشهداء ومميت البدعة ومحيي السنة والخليفة الأمين والعروِة الوثقى ومصباح الدُجى.
وعلي عليه السلام هو أول من صدّق النبي محمدا صلى الله عليه وآله في دعواه مع أم المؤمنين السيدة خديجة سلام الله عليها، وهو ابن عشر سنين، ليشهد بعد ذلك معارك الدفاع عن الإسلام بمعية رسول الله صلى الله عليه وآله، إلا تبوك حيث استخلفه فيها على اهله من النسوة والصغار.
وقد فدى الإمام علي عليه السلام؛ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، عندما بات في فراشه يوم هاجر الى المدينة المنورة تمويها على المشركين ممن كان يروم قتله، فكان بذلك أول فدائي في الإسلام.
وفي التاسع عشر من شهر رمضان للعام أربعين من الهجرة الشريفة، وحيث كان سلام الله عليه ساجدا في صلاة الفجر في مسجد الكوفة، تلقى ضربة من عدو الله الخارجي عبد الرحمن بن مُلجم، ليسقط صريعا، مُرددا قولته الشهيرة :" فزت ورب الكعبة". ليستشهد بعد ذلك بثلاثة أيام عن عمر يناهز الأربع والستين سنة، وبلغ به من عظم إنسانيته أن أوصى بقاتله قائلا: "أبصروا ضاربي أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي".