الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ -
الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ - 24 تشرين الثاني 2024


العيد، يوم من أيام الله الكبرى
11 ذو الحجة 1442هـ
الأصل اللغوي للعيد هو العود، وذلك لعودته كل عام، والعيد هو ذلك اليوم الذي يُسّر به الناس ويفرحون، وربما يطلق على كل يوم يجمع الفرح الناس عامة، وهو مما تعارف عليه الناس الأقدمين، وإن سمي بغير ذلك كيوم الزينة مثلا مما بيّنه في القرآن الكريم في قصة السحرة مع فرعون: ((فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى(59))(سورة طه ـ 58 ـ 59).
ولا يمر العيد في قاموس الإسلام إلا وقد تحصل على ما يستحقه من اهتمام، خصوصا وأنه ـ الإسلام ـ قد سخره في سبيل تحقيق حالة عبادية مجتمعية كبيرة، ومنه مثلا عيد الفطر وعيد الأضحى وعيد الغدير مما ورد في مفكرة الإسلام والمسلمين. 
وقد ورد عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه الصلاة والسلام قوله في العيد: "أَنَّهُ إِنَّمَا جُعِلَ يَوْمُ الْفِطْرِ الْعِيدَ لِيَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ مُجْتَمَعاً يَجْتَمِعُونَ فِيهِ وَ يَبْرُزُونَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَيُمَجِّدُونَهُ عَلَى مَا مَنَّ عَلَيْهِمْ فَيَكُونُ يَوْمَ عِيدٍ وَ يَوْمَ اجْتِمَاعٍ وَ يَوْمَ فِطْرٍ وَ يَوْمَ زَكَاةٍ وَ يَوْمَ رَغْبَةٍ وَ يَوْمَ تَضَرُّعٍ ولِأَنَّهُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنَ السَّنَةِ يَحِلُّ فِيهِ الْأَكْلُ وَ الشُّرْبُ ، لِأَنَّ أَوَّلَ شُهُورِ السَّنَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ شَهْرُ رَمَضَانَ فَأَحَبَّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مَجْمَعٌ يَحْمَدُونَهُ فِيهِ وَ يُقَدِّسُونَهُ ......".
وتسخير مناسبة العيد للعبادة الحقة وجعله أسعد وأجمل بالتقرب لله سبحانه وتعالى؛ يجعل منه عيدا حقيقيا يتسق مع النظم الإلهية البعيدة عن العبثية واللا جدوى، ومنه مثلا يوم الجمعة حيث يجتمع الناس للصلاة جماعة وهم فرحين بالتقرب لله في هذا اليوم المبارك (الجمعة)، فقد ورد عن أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام قوله في يوم الجمعة: "... أَلَا إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ لَكُمْ‏ عِيداً، وَ هُوَ سَيِّدُ أَيَّامِكُمْ وَ أَفْضَلُ أَعْيَادِكُمْ، وَ قَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِالسَّعْيِ فِيهِ إِلَى ذِكْرِهِ فَلْتَعْظُمْ رَغْبَتُكُمْ فِيهِ وَ لْتَخْلُصْ نِيَّتُكُمْ فِيهِ، وَ أَكْثِرُوا فِيهِ التَّضَرُّعَ وَ الدُّعَاءَ وَ مَسْأَلَةَ الرَّحْمَةِ وَ الْغُفْرَانِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَسْتَجِيبُ لِكُلِّ مَنْ دَعَاهُ وَ يُورِدُ النَّارَ مَنْ عَصَاهُ وَ كُلَّ مُسْتَكْبِرٍ عَنْ عِبَادَتِهِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ:  ((.....ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ )) ، وَ فِيهِ سَاعَةٌ مُبَارَكَةٌ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ فِيهَا شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاهُ ".
وقد أقر القرآن الكريم الأعياد على أنها من أيام الله الحافلات بالتعبد والتقرب لله بمظاهر العبودية الحقة حيث يجتمع الناس على طاعة الله ومرضاته، مستثمرا ـ القرآن الكريم ـ المناسبة لتوعية الناس على مفهوم العيد وتجريد الحالة السلبية منه، فقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: ((إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ۖ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (115) وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ(116)(سورة المائدة ـ 112 ـ 116) 
وفي هذه القصة يبين القرآن الكريم الفهم المغلوط للناس عن اختيار العيد لهم، وحصر مفهومه بالأكل دون سواه، فأفهمهم النبي عيسى عليه السلام ـ بعد قبوله لطلبهم ـ بأن العيد مناسبة معنوية تستلزم أدوات الشكر كي تعود عليهم بالخير والبركة كلما تجددت ذكراه، بما يجعل منه مناسبة رسالية وخطة تكاملية للفرد والمجتمع على حد سواء، خصوصا إذا ما عُطفت بطقوس العبادة وإداء الواجبات لله جل شأنه، وقد ورد عن نبي الرحمة محمد صلوات الله عليه وآله في ذلك الصدد؛ قوله صلوات الله عليه وآله: "مَن أحیا لَیلةَ العِیدِ ولَیلةَ النِّصفِ مِن‏ شَعبانَ ، لَم یَمُتْ قَلبُهُ یَومَ تَموتُ القُلوبُ"، وهو عين ما قصده أمير المرنين علي عليه الصلاة والسلام يوم قال: "إنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ اللَّهُ صِيَامَهُ وَ شَكَرَ قِيَامَهُ ، وَ كُلُّ يَوْمٍ لَا يُعْصَى اللَّهُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ".