الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ -
الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ - 24 تشرين الثاني 2024


صداق المرأة.. نحلتها الضامنة لها
18 ربيع الثاني 1443هـ
أولى الإسلام لموضوع مهر المرأة، ما لم يوليه لغيره؛ من أهمية واهتمام، وما ذلك إلا إمعانا منه في تأكيد حقها فيه، فضلا عن إن في ذلك نوع من التربية التي ينشدها الإسلام في منح المرأة المكانة العلوية التي تتسق وقيمتها ودورها. 
وأصل المهر ـ وإن شأت فقل الصداق او الفريضة ـ ثابت قرآنيا وعصمويا، إذ بيناه على نحو مفصل تارة، ومجمل في أخرى.
والمهر حقٌّ للزوجة، تتّفق هي أو وليها الشرعي ـ أب أو جد من جهة الأب ـ مع من يريد تزوجها، وهو شرط من شروط عقد الزواج الإسلاميّ حسب الشارع الإسلامي المقدس، فمن جهة هو مال تملكه الزوجة من زوجها بسبب العقد، ومن جهة أخرة، فهو واجب على الرجل للمرأة.
والمهر يشعر الرجل بأهمية قدومه على مشروع الزواج، بل أنه يؤكد عليه بضرورة الشعور بالمسؤولية التي ستلقى على عاتقه اتجاه المرأة، ناهيك عن كونه ـ المهر ـ مما يثبت به صدق الرجل على رغبته للمرأة، وهو ما يبرر تسميته بالصداق، بفتح الصاد وكسرها، ((وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا))(سورة النساء ـ 4)، أي انه علامة صادقة من الرجل على حقيقة تعلّقه ورغبته في المرأة محل التزويج، وبتعبير أدق، هو ما يُؤتى من الرجل لإثبات صدقه في العلاقة الزوجية.
كما يسمى فريضة كونه مما فرضه الله سبحانه وتعالى على الرجل للمرأة كحق ثابت لها منه, 
ولا بُدّ أن تكون وراء هذا المهر؛ كما في غيره من التشريعات الإسلامية، فلسفة تبرر تشريعه، وتمنحه القوة الشرعية التي يقبلها الجميع برضا وقبول، ويمكن إجمال فلسفته بما يلي:
ـ يلفت الشارع المقدس الناس ـ من خلال المهر ـ الى لفتة غاية في الأهمية، مفادها بأن المرأة ممن تُطلب ولا تَطلب، وفي ذلك تأكيدا على قيمتها الإنسانية، ما يدفع الرجل لطلبها، وهو ما ينسجم مع الجنبة التكوينية للمرأة، من كونها أنس الرجل من جهة، وأنها فطريا مجبولة على أن تُطلب، من جهة ثانية، ناهيك عن تكوينها النفسي المتضمن صفتي العفة والحياء الفطريتين، وهو ما يدفع بالرجل لأن يقدم "عربونا" يثبت من خلاله صدق مدعاه، ليأتي دورها بالرفض أو القبول، ما يعني أن لقبولها وزنه الذي يفوق طلب الرجل، وما أن تقبل المهر، فبه قبلت الزواج.
ومن زاوية أخرى، فأن الأصل في حق الطلاق ـ إذا ما استثنينا ما يستثنى من ذلك ـ بيد الرجل، والقاعدة في ذلك بأن الطّلاق بيد من أخذ بالسّاق، والحال هذا، أن تطليقها من قبل الرجل قد يزجها في دوامة الحاجة المادية، وهو ما قد يبخسها قيمتها الإنسانية، ناهيك عن أن بعضا من الرجال قد يلجأ للتطليق إذا ما كانت المرأة بلا مهر، أي ان الرجل قد يتعسف بقيد الزوجية؛ خصوصا إذا لم تكن هنالك ثمة ضريبة ما؛ لا بد أن يدفعها حيال قرار من هذا الوزن؛ والزهد فيها للبحث عن غيرها، طالما الأمر ليس فيه تبعات، وهو ما يجعل من المهر، ضامنا لمرأة من هذا التعسف؛ خصوصا إذا لم تكن الأسباب المسوغة للطلاق، وافية وكافية، إذ أن الأصل في عقد النكاح مراعاته لطرفي العقد، ولما كان الرجل أكثر تقبلا لقراره، وإنه سيستأنف حياته ويتشغل بالعمل والكد بما يمتلكه من قوّة جسمية ونفسية ، سيتبقى المرأة بعيدة عن ذلك، ولا تستطيع الى ذلك إلا بشق الأنفس ، فتكون حاجتها للعمل ـ بعد الطلاق ـ أشد وأحوج خصوصاً إذا كان لديها صغار، ما يعني أن خسارتها ستكون أشد وقعا، وهو ما برر منحها هذا المقابل، خصوصا وأنها لا تملك ما يملكه الرجل من إمكانات جسمانية ونفسية، كي تتعايش مع ظرفها الجديد، وهو ما حدا بالمشرع المقدس أن يستدرك ذلك، ويُوجب المهر على الرجل، ليكون عوضا وذخراً لها.
كما يعتبر المهر البديل المكافئ الذي قبله الشرع لمنح الرجل حق التمتع بالمرأة، أي أنه تعويض مادي مقابل حق الاستمتاع، وهو ما تؤكده الآية الشريفة: ((وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أفضى بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (21))(سورة النساء ـ 20 ـ 21) والميثاق الغليظ هنا هو العلقة والعقدية التي أبرمها الرجل مع المرأة، وهو بمحل عهد مأخوذ منه حيالها، وغن كان هنالك من لا يربطه بحق الاستمتاع بالاستفادة من قاعدة دفع الرجل نصف المهر لطليقته غير المدخول بها منه.
والأصل في المهر أنه نحلة، ـ والنحلة بكسر النون ـ ما ينحله الانسان ويعطيه بدون مقابلة عوض، أي أنه الشيء الممنوح على سبيل العطية لا الثمن ولا العوض عن شيء؛ وهي العطية التي أوجبها الله على الرجل للمرأة.
ومن زاوية أخرى، فان الأصل في الزواج هو بناء حياةٍ زوجية يسعَدُ بها الزوجان بالسكنى والمودة والرحمة، كما تبينه الآية الشريفة: ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة))(سورة الروم ـ 22)، وبخلاف ذلك، والطلاق هو الحاكم، فإن المرأة سيئول حالها الى المجهول،  عندها سيكون المهر مما يمّكنها أن تعيش ولو لفترةٍ من الزمن تتمكّن من خلالها تدبير أمورها، ونفس الأمر إذا ما مات الزوج، بل حتى وأن بقيت الزوجية قائمة فيمكنها الاستفادة من مهرها في سد احتياجاتها الخاصة، خصوصا إذا ما كان الزوج شحيحا، أو غير قادر على كفالتها، وبذلك فأنه مال خاص بالزوجة، ولا يحقّ لأي أحد التصرّف به دون إذنها، كما يمكنها التصرّف به على النحو الذي ترغبه، دون إذن زوجها او وليها.
وحث أهل بيت العصمة صلوات الله تعالى عليهم على الرضي بالمهر، وأن كان افضله أيسره، فعن رسول الإنسانية محمد بن عبد الله صلوات الله تعالى عليه وله: "خير الصداق أيسره"، وقوله: "أفضل نساء أُمّتي أصبحهنّ وجهاً وأقلّهنّ مهراً"، وقول الإمام محمد الباقر عليه الصلاة والسلام: "الصداق ما تراضيا عليه من قليل أو كثير، فهذا الصداق"، وقول الإمام جعفر الصادق عليه الصلاة والسلام: "ما تراضى عليه الناس، أو إثنتا عشر أوقية ونش، أو خمسمائة درهم"، وقوله: " من بركة المرأة خفّة مؤونتها، وتيسير ولادتها، ومن شؤمها شدّة مؤونتها، وتعسير ولادتها"، 
وقد أجاب الإمام أَبَا الْحَسَنِ عليه الصلاة والسلام عَنْ مَهْرِ السُّنَّةِ كَيْفَ صَارَ خَمْسَمِائَةٍ  درهم؟ قائلا: "إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَلَّا يُكَبِّرَهُ مُؤْمِنٌ مِائَةَ تَكْبِيرَةٍ، ويُسَبِّحَهُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، ويُحَمِّدَهُ مِائَةَ تَحْمِيدَةٍ، ويُهَلِّلَهُ مِائَةَ تَهْلِيلَةٍ، ويُصَلِّيَ عَلَى محمّد وآلِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ، ثُمَّ يَقُولَ: اللَّهُمَّ زَوِّجْنِي مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، إِلَّا زَوَّجَهُ اللَّهُ حَوْرَاءَ عَيْنٍ، وجَعَلَ ذَلِكَ مَهْرَهَا، ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ إِلَى نَبِيِّهِ صلوات الله تعالى عليه وآله أَنْ سُنَّ مُهُورَ الْمُؤْمِنَاتِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلوات الله تعالى عليه وآله، وأَيُّمَا مُؤْمِنٍ خَطَبَ إِلَى أَخِيهِ حُرْمَتَهُ (فبذل له) خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يُزَوِّجْهُ فَقَدْ عَقَّهُ، واسْتَحَقَّ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ أَلَّا يُزَوِّجَهُ حَوْرَاءَ".