للاقتصاد في حياة الناس دور فاعل
وكبير، إذ يمثل وجوده عصبا مهما يحرك حياتهم ضمن قوانين وقواعد
تضبط إيقاع تلك الحركة وتنظمها بما يجلب لهم المنفعة الخاصة
والعامة، وعلى أساس تلك القوانين والقواعد تنتظم العلاقات بين
الأفراد والجماعات والدول، على أساس من تبادل المصالح.
ويُعرف الاقتصاد بصورة عامة على
أنه مجموعة من القواعد والقوانين التي تنظم عملية الإنتاج،
والتوزيع، وتبادل واستهلاك السلع والخدمات بين الدول والجماعات
والأفراد.
وبما أن لكل دولة رؤية ونظرية
اقتصادية خاصة بها، تبني على أساسها نظامها الاقتصادي، لذلك فإن
أمر الاختلاف وارد جدا بين تلك الدول، فمنها ما يكون ذا توجه
اشتراكي في بنيته الاقتصادية ومنها ما يكون ذا توجه رأسمالي في
بنيته، وعليه فأن اختلاف الأسس والمقاييس والتوجهات الاقتصادية
بين تلك الدول إنما هو نتاج طبيعي لاختلاف الرؤى والمنطلقات؛ لكن
هذه البنى الاقتصادية هي من صناعة عقل بشري مخلوق محدود القدرات،
ومهما علا تنظيمها وتقنينها ستبقى قاصرة في فعاليتها عن الإحاطة
التامة والشاملة بحاجات الإنسان المتجددة في كل يوم لعلة أنها
أسيرة في حركتها لمحدودية قدرات ذلك العقل مهما كان مبدعا وخلاقا،
لذلك كل ما ينتجه من نظريات وقوانين لا بد وأن يشوبها نقص كونه
القاصر بتكوينه الفطري وإمكانياته المحدودة، على عكس بنية
الاقتصاد الإسلامي الذي مصدره الخالق الكامل، المدبر باقتدار لأمر
عباده؛ والذي له الإحاطة التامة بحاجاتهم، لذلك تميز الاقتصاد
الإسلامي بالشمولية والكمال عن النظامين الرأسمالي والاشتراكي
فضلا عن الأسس التي بني عليها؛ حيث كان البناء الديني والأخلاقي
الذي مصدره الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة معتمدا منظاره
القيمي الأخلاقي في تحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع
الواحد، ولا يكون هذا بالأماني بل بتشريع قوانين خاصة بذلك تهدف
إلى تقليص الفجوة والفوارق الطبقية بين أفراد المجتمع الواحد، وقد
حقق النظام الاقتصادي الإسلامي ذلك بفرضه الضرائب على ميسوري
الحال كضريبتي الخمس والزكاة بنسب معلومة ومعقولة؛ يعطى ريعها
للفقراء والمحتاجين وهذا يأتي تجسيدا وتماشيا مع مبدأ التكافل
الاجتماعي الذي يؤمن به ويدعو اليه ليظهر للعالم أن الاقتصاد
الإسلامي يحتكم في نظامه وحركته على أصول ومبادئ أخلاقية إسلامية
قبل أن تكون نظم مصالح فقط؛ وليؤكد أن نظم اقتصاد وقوانينه صالحة
لكل زمان ومكان لا تقبل التعديل.
النظرية الإسلامية في
الاقتصاد
تعتمد النظرية الاقتصادية
الإسلامية على مبدأ: "أن المال كله لله؛ وأن الإنسان مستخلف عليه"
وهذا ما أكده القرآن الكريم ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ
لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ
خَلِيفَةً..........)) (البقرة -30) مما حمّله مسؤولية دنيوية
أمام الناس في حليّة الكسب والإنفاق؛ وأن يبتعد فيهما عن كل حرام
يسجل معصية لله وله وقفة مسؤولة أمام الله في الحياة الآخرة؛
المالك الحقيقي لما ملكه عليه، لذلك حدد إستخلافه بضوابط تمنعه من
كسب المال بطريق الحرام وإنفاقه في معصية الله أو الإضرار بالناس
حيث حّرم عليه الكسب غير المشروع المبني على الغش والاستغلال
والتعامل بالمحرمات التي تضر الفرد والمجتمع كالإتجار بالمخدرات
والخمر وما يلوث البيئة.
وقد آمن الاقتصاد الإسلامي بمبدأ
الشراكة في الربح والخسارة وفي توزيع الثروة بين صاحب رأس المال
وصاحب العمل؛ وهذا واحد من أسس تحقيق العدالة الاجتماعية بينهما؛
وآمن كذلك بحماية الملكية الخاصة فمن حق الفرد المسلم تملك أي شيء
وبلا حدود؛ شرط عدم الإضرار بالمصالح العامة للناس؛ وأن يبتعد عن
الاحتكار، فله حق تملك الأرض والعقار ووسائل الإنتاج، أما على
مستوى الملكية العامة فقد أقر بقاء المرافق العامة المهمة ضمن
ملكية الدولة أو تحت إشرافها حفاظا على المصلحة العامة للمجتمع
ومنعا من التلاعب بمقدرات المجتمع فيما لو أبيحت ملكيتها للخاصة،
كما أعطى الحق للدولة في مراقبة الأسواق من خلال حركة العرض
والطلب دون التدخل في حركة الأسعار منعا للاحتكار الذي حرمته
شريعة الإسلام، والذي من مساوئه أن يؤدي لتضخم الأسعار وتقليص
القدرة الشرائية للمجتمع.
ومن باب تحقيق المصلحة العامة يقر
النظام الاقتصادي الإسلامي بمبدأ المضاربة في الأسواق وهو نوع
مشاركة بين صاحب المال والعمل من أجل استثمار هذا المال بشرط
القبول بالربح والخسارة حيث توزع الأرباح بينهم بشكل عادل بعد
استخراج رأس المال الكلي، وهذا على عكس نظام الربا الذي حرمه الله
حيث يأخذ صاحب المال أرباحا من صاحب العمل بغض النظر عن
الربح والخسارة في العمل ((..........ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا
إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّـهُ الْبَيْعَ
وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ
فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّـهِ وَمَنْ
عَادَ فَأُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ))
(البقرة -275) وهذا غالبا ما يسبب إفلاسا لصاحب العمل في حالة
الخسارة نتيجة تراكم أرباح المال على حساب ربحية العمل وهذا بدوره
يشكل انتكاسة اقتصادية مستقبلية لدورة الاقتصاد في المجتمع حيث
بتراكم الخسارة وتراكم الأرباح على صاحب العمل يؤدي لغلق المعمل
أو المؤسسة وتسريح العمال، مما يجعل تبعات سلبية كبيرة على الدورة
الاقتصادية كاملة يعمل الاقتصاد الإسلامي ويقر بمبدأ المرابحة ـ
وهي شراء سلعة بمبلغ ما وبيعها بسعر أعلى سواء كان نقدا أو آجلا
أو بالتقسيط ـ وهذا شبيه بالتجارة العادية التي لا شائبة عليها،
ويقر أيضا مبدأ الإجارة ـ وهو تأجير صاحب العقار لعقاره لمدة
معلومة مقابل أجر أو صاحب المعدات لمعداته ـ ومبلغ الإيجار بعد
تخريج استحقاق مبالغ الصيانة يعتبر ربحا حلالا
مشروعا.
كما اهتم الإسلام بمسألة
الإرث حيث عالجها من خلال عدم تكديس المال عند فئة قلية من الورثة
وعمل على توزيعه بالشكل العادل بين كل الورثة حيث وزعه بنسب
معلومة بينها في الكتاب الكريم ((يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي
أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِن
كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ
وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ
لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ
فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ
السُّدُسُ من بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ
آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ
لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ
عَلِيمًا حَكِيمًا )) (النساء-11).
العلوية فاطمة الجابري