الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ -
الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ - 24 تشرين الثاني 2024


ابن الأسود الكاتب.. سفير الحقيقة
17 رجب 1440هـ
أفنى هذا الشاعر والكاتب عمره الذي تجاوز المائة عام، في ولاء أهل البيت عليهم السلام، والسير على خطاهم ونشر فضائلهم ومناقبهم تدويناً ومشافهة حتى سجل اسمه في سجل السائرين على منهجهم والمتفانين في محبتهم، فترك إرثاً أدبياً وفكرياً ضخماً يروي للأجيال صوته الإيماني الراسخ.
والمطالع لكتب التواريخ ومصادر الشيعة وكتب السِيَر الرجال والأدعية، يجد اسمه في طليعة الرجال الثقات الذين اعتمدت عليهم كتب الشيعة وليس أدل على وثاقته وصدقه أنه روى جميع كتب إبراهيم بن محمد الثقفي صاحب كتاب الغارات والذي اعتمدت عليه مصادر الشيعة وهو من أعاظم الرواة والمؤلفين وله أكثر من خمسين مؤلفاً. 
فقد روى عنه النجاشي في الرجال وابن قولويه في كامل الزيارات وابن شهرآشوب وغيرهم ووصفته المصادر بأنه كان لغوياً أديباً شاعراً شيعياً راوياً للحديث ثقة من أعلام القرن الثالث الهجري.

نسبه ولقبه ومؤلفاته
ولد أبو جعفر أحمد بن علوية الأصفهاني المعروف بابن الأسود الكاتب في أصفهان عام 212 هــ ويرجع في نسبه إلى إحدى القبائل العربية التي سكنت أصفهان، وقد اختلفت المصادر في اسم أبيه بين عَلَوِية وعلي، ولكنه عُرف بابن الأسود، والكاتب، أما لقبه فقد اختلف فيه أيضاً بين الكرماني والكرّاني والكوّاني والأصفهاني فورد اسمه بلفظ أحمد بن علي الأصفهاني وأحمد بن علوية الكاتب وابن علوية الكراني والكرماني والكواني ولا نريد هنا الخوض في المصادر المختلفة في نسبته ولقبه إذا كانت كلها تدل عليه.
ألف ابن الأسود ثمانية كتب في الدعاء دلت على عبادته وتقواه والتزامه بسيرة أهل البيت عليهم السلام والأخذ بالمأثور عنهم منها كتاب الاعتقاد الذي اعتمد عليه كبار المؤلفين في هذا المجال منهم الشيخ الكفعمي في كتابه البلد الأمين، ونسب بعض المؤلفين إليه دعاء العديلة المشهور. 
وإضافة إلى كتب الأدعية هذه، فقد ألف ابن علوية كتاباً في الشيب والخضاب، ورسائل مختارة ولكن هذه المؤلفات لم يبق منها سوى اسمها فضلا عن ديوانه الذي يقول عنه ابن النديم في الفهرست إنه يقع في خمسين صفحة ولكن للأسف الشديد أن هذا الديوان مفقود ولم يبق منه سوى مقاطع قليلة, أما أبرز شعره فهو النونية الألفية التي تسمى بـ (المحبرة) وهي ألف بيت على وزن واحد وقافية واحدة وحالها كحال الديوان فلم يبق منها سوى ربعها حيث ذكر السماوي أن الذي بقي منها هو مائتان وخمسون بيتاً فقط.

أقوال العلماء فيه
قال عنه ابن شهر اشوب في معالم العلماء أحمد بن علوية الأصفهاني ابن الأسود الكاتب، له كتب منها دعاء الاعتقاد، وله النونية المسماة بالألفية والمحبرة وهي ثمانمائة ونيف وثلاثون بيتاً وقد عرضت على أبي حاتم السجستاني فقال: "يا أهل البصرة... غلبكم والله شاعر أصفهان بهذه القصيدة في أحكامها وكثرة فوائدها"، وعقب ابن شهرآشوب على كلام السجستاني هذا بالقول: "ويستفاد من تعبير السجستاني بقوله شاعر أصفهان أنه قد كان بمقام شامخ من الشهرة في الشعر والأدب". 
كما وعّده ابن شهرآشوب أيضاً في نفس الكتاب من الطبقة الأولى من شعراء أهل البيت عليهم السلام وهم المجاهرون بولائهم.
وقال عنه النجاشي: "روى عنه ـ أي عن ابن الأسود ـ الحسين بن محمد بن عامر، والحسين هو الأشعري الثقة ويروى عنه ابن الوليد الجليل المعروف حاله في شدة التحرز عن الرواية عن غير الثقة". 
وقال الشيخ المحدث عباس القمي في الكنى والألقاب: "ابن الأسود الكاتب هو أحمد بن علوية الأصبهاني الكرماني كان لغوياً أديباً كاتباً شاعراً شيعياً راوياً للحديث....". 
كما ويظهر من وصف الثعالبي لأعلام أصفهان في الشعر والأدب أن ابن علوية كان في طليعة هؤلاء الأعلام حيث يقول في يتيمة الدهر في الباب الخامس في محاسن أشعار أهل العصر من أصفهان: "لم تزل أصفهان مخصوصة من بين البلدان بإخراج فضلاء الأدباء وفحولة الكتاب والشعراء، فلما أخرجت الصاحب أبا القاسم وكثيراً من أصحابه وصنائعه وصارت مركز عزه ومجمع ندمائه ومطرح زواره استحقت أن تدعى مثابة الفضل وموسم الأدب، وإذا تصفّحت كتاب أصفهان لأبي عبد  الله حمزة  بن الحسين الأصبهاني وانتهيت إلى ما أورد فيه من  ذكر شعرائها وشعراء الكرخ المقطعة عنها وسياقة عيون أشعارهم وملح أخبارهم كمنصور بن باذان وأبي دُلف العجلي وأخيه معقل بن عيسى وبكر بن عبد العزيز وأحمد بن علوية".
وذكر اسمه ابن النديم في الفهرست تحت عنوان الشعراء الكتاب.
وقال عنه الشيخ آغا بزرك الطهراني في طبقات أعلام الشيعة: "من نوابغ الرواة في رابعة المآت أحمد بن علوية الأصفهاني المعروف بابن الاسود الكاتب، روى عن إبراهيم ابن محمد الثقفي كتبه كلها، ويروي عنه محمد بن الحسن بن الوليد المتوفي سنة 242هـ".  
وقال عنه الشيخ عبد الحسين الأميني في الغدير: "أبو جعفر أحمد بن علوية الأصبهاني الكرماني الشهير بابن الأسود هو أحد مؤلفي الامامية المطرد ذكرهم في المعاجم.... من أئمة الحديث ومن صدور حملته، أخذ عنه مشايخ علماء الامامية واعتمدوا عليه منهم شيخ القميين أبو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد القمي المتوفي سنة 242هـ المعلوم حاله في الثقة والتحرز عن الرواية عن غير الثقة وطعنه واخراجه من روى عن الضعفاء من قم فقد روى عنه كتب إبراهيم بن محمد الثقفي المعتمد عليه عند الأصحاب كما في مشيخة الفقيه وفهرست شيخ الطائفة الطوسي".

روايته للحديث
مدح ابن الأسود كبار علماء الشيعة وروى عنه أعاظمهم وأجلاؤهم، فروى عنه الكليني والمفيد والصدوق والطوسي والعلامة الحلي وغيرهم، وقد ذكر له الدكتور حيدر محلاتي خمسة وثلاثين حديثاً شريفاً في مجموعة من المصادر الشيعية المهمة كالأمالي ومن لا يحضره الفقيه والخصال للصدوق والبحار للمجلسي ووسائل الشيعة للحر العاملي والكافي للكليني وتهذيب الأحكام للطوسي وبشارة المصطفى لشيعة المرتضى للطبري وفتح الأبواب لابن طاووس وكنز الفوائد للكراجكي وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني.
وأغلب هذه الأحاديث الشريفة هي في فضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام منها: "عن سلمان الفارسي رضوان الله عليه: قال سألت رسول الله صلوات الله عليه وآله من وصيك من أمتك فإنه لم يبعث نبي إلا كان له وصي من أمته؟ فقال صلوات الله عليه وآله: سألتني عن وصيي من أمتي، فهل تدري من كان وصي موسى من أمته؟ فقلت: كان وصيه يوشع بن نون فتاه، فقال فهل تدري لِمَ كان أوصى إليه؟ فقلت: الله ورسوله أعلم، فقال: لأنه كان أعلم أمته بعده، ووصيي أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب".
ومنها أيضا "عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي: يا علي أت أخي ووصيي ووارثي وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد وفاتي محبك محبي ومبغضك مبغضي وعدوك عدوي ووليك وليي".
إلى غيرها من الأحاديث الشريفة الكثيرة المشابهة لها والتي تبين فضائل أمير المؤمنين علي عليه السلام وتنص على أنه وصي رسول الله والخليفة من بعده. 
توفي ابن الأسود الكاتب سنة (320هـ) عن مائة وثمان سنوات.

محمد طاهر الصفار