الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ -
الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ - 24 تشرين الثاني 2024


جامع القيروان... عندما تقاوم المحاريب والمآذن سطوة الزمن
8 جُمادى الآخرة 1442هـ
جامع القيروان الكبير، ويسمى ايضا بجامع عقبة ابن نافع نسبة الى بانيه القائد الإسلامي الفاتح "عقبة بن نافع بن عبد القيس الأموي الفهري" الذي أسس مدينة القيروان عام 80 هجري بعد أن فتح تونس، وقد تم بناءه سنة 670 ميلادي في مدينة القيروان، وصار بذلك أقدم معلم ديني في المغرب العربي.
عمرانيا... تعتبر منارة هذا الجامع أعرق منارة دينية قائمة لحد الآن، ما يجعل التونسيون والعرب عموما يقبلون عليها بكثافة خاصة في المناسبات الدينية على غرار ليلة القدر لحضور ختم القرآن وليلة المولد النبوي الشريف.
كما يتكون الجامع من مسجد كبير ـ من أضخم المساجد في المغرب الإسلامي ـ بمساحة تصل الى (9700) متر مربع حيث يبلغ طوله حوالي (126) مترا وعرضه (77) مترا، كما أن بيت الصلاة فيه كبيرة المساحة وشاسعة الأركان، حيث يستند إلى عشرات الأعمدة الرخامية.
وللجامع قبة كبيرة تقع أمام المحراب في البلاطة الوسطى، تقابلها قبة أخرى عند انتهاء البلاطة الوسطى.
كما يتضمن المسجد صحن فسيح الأرجاء تحيط به أروقة يتجلى فيها إبداع الإنسان عبر عصور، ما جعل منه تحفة معمارية فريدة من نوعها، وواحدا من أروع المعالم الإسلامية.
 وتعتبر مئذنة جامع عقبة من أقدم المآذن في العالم الإسلامي وتتكون من ثلاث طبقات ويصل ارتفاعها إلى (31.5) مترا.
وللجامع منبر بمثابة التحفة العمرانية النادرة، كونه مصنوع من الخشب الساج المنقوش، ناهيك عن كونه من أقدم المنابر في العالم الإسلامي ويعود إلى القرن الثالث للهجرة أي التاسع ميلادي.
 كما يحتوي الجامع على مقصورة تعود إلى القرن الخامس هجري (الحادي عشر ميلادي) ما يجعل منها هي الأخرى أقدم مقصورة إسلامية ما زالت محتفظة بعناصرها الزخرفية الأصلية.
وقد استغرق بناء المسجد خمسة أعوام بسبب انشغالهم بالفتوحات والجهاد، حيث كان البناء البدائي له اشبه بظِلة مسقوفة بالعريش، والأعمدة عبارة عن جذوع النخيل، وكان الهدف من ذلك هو الاقتداء بشكل المسجد النبوي، ولكن في عهود أخرى طور المسجد وأضيفت له إضافاتٍ مع احتفاظه بالشكل الأولي له، فقام هشام بن عبد الملك ببناء مئذنةٍ جميلة جداً في وسط الحائط الشمالي للمسجد، كما هدم يزيد بن حاتم المسجد بشكل كامل خلا مئذنته ومحرابه وذلك عام 348م، ليعيد بناءه مرةً أخرى على الهيئة التي هو عليها الآن، ثمّ أحدث زيادة الله بن الأغلب بعض التغييرات عليه بعد هدمه المحراب كونه منحرف قليلٌ عن القبلة، بعد أن غطاه من جهة الإمام بجدارٍ مبنيٍّ بحيث لا يراه من يصلي، ليبني له محراباً جديداً بالاتجاه الصحيح للقبلة من الرخام الأبيض المخرم، ورفع سقفه وبنى قبةً مزخرفة بلوحاتٍ رخامية على أسطوانة المحراب  الذي زيين بأسلوبٍ كرني، مرسوم على خلفيةٍ ذات لونٍ أسود.
وقد ظل هذا المعلم الشامخ يبهر الناظرين والدارسين بتناسق عمارته وتآلف عناصره وثراء رصيد الفني وتلألأ أنواره، فمن أعلى صومعته صاح الرسام العالمي بول كلي بقوله: "الآن أصبحت رساما وذلك لفرط ما سرى فيه من إحساس بالظل والنور"
 وتعتبر القيروان رابع الحضارات التي أسّسها المسلمون في البلاد المفتوحة، بعد البصرة والكوفة في العراق والفسطاط في مصر، ويعتبر موقعها اختياراً ذكياً من فاتحها عقبة بن نافع؛ حيث تأسست بعيداً عن شاطئ البحر المتوسط باتجاه الصحراء وذلك لتكون بعيدةً عن الهجمات البحرية للجيش البيزنطي في حينها.