الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ -
الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ - 24 تشرين الثاني 2024


القيروان... باب من أبواب الحكمة
9 جمادى الاول 1442هـ
ما وطأ المسلمون أرضا، الا ووضعوا فيها لبنة للعلم والثقافة، لتصبح فيما بعد مركزا علميا وحضاريا مهما، يحتضن العلم والعلماء والدارسين، ليس في مجال العلوم الدينية فحسب، بل في مختلف المجالات العلمية وشتى الاختصاصات، ويكون مقصدا لطلاب العلم من مختلف بقاع الأرض، طلبا للعلم والمعرفة، كبغداد وبخارى وقرطبة وغيرها، وما القيروان الا واحدة من هذه المدن. 

موقعها 
تقع مدينة القيروان في شمال أفريقيا ـ تونس حاليا ـ على بعد (160) كم عن العاصمة تونس، وهي اليوم إحدى المدن التاريخية المهمة في شمال أفريقيا، والتي حافظت على تراثها الإسلامي القديم، رغم عوادي الزمن الى يومنا هذا، فهي لا زالت محاطة بذات الأسوار القديمة ذات الشرفات المبنية من الطين والتبن، بطول يزيد على ثلاثة كيلومترات، تبلغ مساحتها (67120) كم2، وعدد سكانها (570559) نسمة، حسب إحصائية سنة 2014م، ترتفع عن مستوى البحر بـ (68) م، وقد سجلتها منظمة اليونسكو ضمن لائحة التراث العالمي سنة 1988م. 

تاريخها 
أسس مدينة القيروان القائد عقبة بن نافع سنة 50 هـ ـ 670م، لتكون محطة استراحة للمسلمين، ونقطة انطلاق للتبليغ الإسلامي في أفريقيا والأندلس، بلغت من الأهمية مبلغا كبيرا، بحيث اعتبرها الفقهاء رابعةً لثلاث مدن من حيث القداسة، وهي مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس، أسس فيها عقبة بن نافع مسجدا كبيرا، سمي بمسجد عقبة، ثم تغير اسمه الى جامع القيروان، الذي أصبح فيما بعد مركزا للثقافة الإسلامية ومدرسة للعلوم الدينية واللغة العربية في بلاد المغرب الإسلامي.
كانت القيروان عاصمة لدولة الأغالبة في شمال أفريقيا، التي حكمت من سنة 800م، ولغاية سنة 909م، تلك الدولة التي ظلت درعا منيعا في شمال أفريقيا لحماية الدولة العباسية.
سكنها منذ العصور الإسلامية الأولى، من شتى القوميات، من العرب والبربر والفرس والرومان واليونان، ومن مختلف الأديان والمعتقدات، فقد ضَمِن الإسلام لجميع الناس حرياتهم الشخصية في السكن والمعتقد والدين، وعلى أساس هذا الضمان، سكن القيروان الى جانب المسلمين، اليهود والنصارى، وليس أدل على ضمان الحريات الشخصية، من قيام والي القيروان الفضل بن روح، بمنح رخصة لإقامة كنيسة للنصارى فيها سنة 177هـ. 

مكانتها العلمية والثقافية
تصدّرت القيروان قائمة المراكز العلمية والثقافية في المغرب الإسلامي، جاءت بعدها قرطبة في بلاد الأندلس، ثم فاس في المغرب، فكانت حاضرة الدنيا بعد بغداد، وكعبة العلم والثقافة في بلاد المغرب. 

جامع القيروان 
وهو من أهم المعالم الإسلامية في الشمال الأفريقي، و من أروع شواهد العمارة الإسلامية في بلاد المغرب الإسلامي، تَواصَل تجديده وترميمه على مر العصور الإسلامية، وهو لا يزال شاخصا حتى اليوم في قلب مدينة القيروان، تبلغ مساحته حوالي (9700) م2، بطول (126) م وعرض (77) م، يحتوي على مسجد كبير للصلاة، ومئذنة مربعة الشكل ذات ثلاثة طبقات، ترتفع ل (31,5) م، كما يحتوي الجامع على صحن كبير يحوي ست قباب لشخصيات إسلامية كبيرة، على رأسهم الصحابي أبو زمعة البلوي، ومقامات ومنشآت ومرافق أخرى، الى جانب جامع القيروان، أقيم قصر للإمارة سنة 800 م، سمي بقصر العباسية،  يضاف الى جامع القيروان التاريخي، معالم تاريخية قديمة غيره، كمسجد بن خيرون الأندلسي، الذي أقيم على قبر الصحابي أبو زمعة البلوي، الذي توفي ودُفن هناك قبل تأسيس مدينة القيروان، كانت تُعقَد في جامع القيروان، الحلقات الدراسية، التي تتضمن العلوم الفقهية واللغة العربية وعلوم القرآن، يقصده طلاب العلم والمعرفة من شتى بقاع العالم الإسلامي، حيث العلماء والفقهاء والتدريسيون الأكفاء، ليس في الجامع فحسب، بل كانت هناك مدارس أخرى في أرجاء المدينة، يطلق عليها دور الحكمة، وهي أقرب الى الجامعات منها الى المدارس، حسب المفهوم المعاصر، كان يديرها أساتذة، على مستويات عالية من الكفاءة والتخصّص، جيء بهم من مختلف البلدان الإسلامية آنذاك.
ظل جامع القيروان أكبر جامع في بلاد المغرب الإسلامي، حتى إنشاء جامع الحسن الثاني (ملك المغرب) في الدار البيضاء بالمغرب سنة 1991م.

بيت الحكمة
أنشأ الأمير إبراهيم الثاني الأغلبي سنة 875م، بيت الحكمة، وهي مؤسسة علمية كبيرة، تضم المدارس والمكتبات الكبيرة التي كانت تحوي نفائس الكتب الدينية والعلمية، والمخطوطات القديمة، كما كان الأمير إبراهيم بن أحمد الأغلبي يبعث في كل ستة أشهر بعثة الى بغداد، تستجلب نفائس الكتب العلمية والمخطوطات من هناك، لدعم الحركة العلمية الكبيرة التي بدأت تنهض بشكل كبير في القيروان، كما جلب للقيروان أفضل العلماء والأطباء والفلكيين، في ذلك الزمان من شرق البلاد وغربها، وزودهم بالآلات الفلكية والمعدات الطبية والهندسية، حتى أضحت القيروان تنافس مكانة دار الحكمة في بغداد.