السبت - 19 ربيع الأول 1447هـ -
السبت - 19 ربيع الأول 1447هـ - 13 أيلول 2025


لماذا الوجهة الى الله؟ لماذا الوجهة الى الله؟
24 صفر 1444هـ

هل أن التوجه لله من قبل الإنسان لازمة بشرية ان بدعة فرضتها الظروف المحيطة به..

سؤال أخذ من حديث الملاحدة أطرافه، دون أن يجيبوا عليه بشكل مقنع، حتى صاروا الى جواب بسؤال، زاد حيرتهم حيرة، لماذا يتّخذ الإنسان ديناً وعبادةً وطقوساً؟

يتطلب جواب هذا السؤال ابعادا متعددة ومتنوعة، فضلا ع متطلباته في صياغة البراهين العقلية والنفسية العميقة التي تحتوي الموضوع، ومع كل هذا الشمول، سنضطر لاختصار هذا الجواب بما يلي:

يحكم الفكر البشري، قانون، الأول يسمى بقانون العلية (السببية)، في حين يسمى الثانية بقانون لغائية.

أولاً:    قانون السببية (العلية): ويتلخّص هذا القانون في أنّه لا يوجد شيء من الممكنات من دون علّة أوجدته، بعد أن لم يكن شيئاً مذكورا، وذلك ناشئ من كون الممكن "أي الشيء الموجود" لا يحمل السبب الكافي لوجوده، وكذا لا يستقلّ بإحداث شيء، فكما أن الممكن لا يستطيع إيجاد نفسه، فبطريق أولى لا يستطيع أن يوجد غيره، بحسب القاعدة التي تقول: «فاقد الشيء لا يعطيه»، لذلك لا بد أن يقضي العقل الإنساني بوجود سبب وعلّة لوجوده.

وهذه العلّة لا بد أن تكون حكيمة، ـ خلافاً لنظرية الصدفة ـ لما نرى من الاتساق والتنظيم الذي يكتنف الوجود برمّته، من الذرّة إلى المجرّة، فهذا الوجود المتناسق لا يمكن إيعاز علّته إلى أساس فوضوي عشوائي.

وكذا يقطع العقل البشرى، أنّ هذه العلّة ذات حياة وعلم  وقدرة  وإرادة، ولو تخلّف ذلك ـ بمقتضى قاعدة العلية ـ لا نقطع الوجود وأصبح عدماً.

وعليه، فإن مدبّر هذا الوجود، والمسيطر عليه والمؤثّر فيه، هو الله تعالى، لذلك لا بدّ للإنسان أن يدين بالاعتراف به، والخضوع إلى أوامره، التي جاءتنا عن طريق أنبيائه، بمنظومة علائقية تنظم علاقة هذا الفرد بربه، وهو ما يصطلح عليه بـ (الدين).

وفي هذا المورد، فقد سُئل أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب عليه ‌الصلاة والسلام عن إثبات الصانع، فأجاب: "البعرة تدلُ على البعير، والروثة تدلّ على الحمير، وآثار القدم تدلّ على المسير، فهيكل علوي بهذه اللطافة، ومركز سفلي بهذه الكثافة، لا يدلاّن على اللطيف الخبير؟!".

وقيل للإمام علي بن موسى الرضا عليه ‌الصلاة والسلام: ما الدليل على حدوث العالم؟ فقال: "أنت لم تكن ثمّ كنت، وقد علمت أنك لم تكوّن نفسك، ولا كوّنك من هو مثلك"


ثانيا:    قانون الغائية: وموجبه أنّ كلّ نظام مركّب متناسق مستقرّ، لا يمكن أن يحدث من غير قصد، وأن كلّ قصد لا بدّ أن يهدف إلى غاية، وأنّ هذه الغاية إذا لم تحقّق إلاّ مطلباً جزئياً إضافياً منقطعاً، تشوّقت النفس من ورائها إلى غاية أُخرى، حتّى تنتهي إلى غاية كلية ثابتة، هي غاية الغايات، وذلك لأنّ الإنسان ما انفكّ يوماً عن السؤال عن ثلاثة أشياء، أرّقت مضجعه، وحيّرت عقله، وجعلته في فكر دائم وهي: إنّه من أين أتى؟ وإلى أين هو قاصد؟ ولماذا خُلِق؟

أترى أن هذا الإنسان يعيش في هذه الحياة بلا غاية ولا هدف يسير نحوه وإليه؟ أتراه قائماً على وجه يتخبّط في سير حياته، لا يدري إلى أين يريد، ولماذا وجد، ولماذا يموت؟!

إنّ من السخف أن يفكر الإنسان بأنّ وجوده عبث؛ لأنّه بذلك يسلب إنسانيته وفكره وحضارته، وكلّ نتاج بشري في جميع الأصعدة، فلا تستقيم حكمة الوجود إلاّ بضرورة وجود غاية لهذا الوجود، وهنا يبحث هذا الإنسان عن الغاية.

ولكن ربما أخطأ الإنسان في معرفة تلك الغاية، فتصوّر أن الخالق هو ذلك الصنم الذي يرمز إلى قوة خفية، أو أن الخالق هو الشمس أو القمر أو النجوم أو غيرها، ولكن الذي ينبغي قوله: إن الإنسان لا يصل إلى هذه المراحل الخسيسة إلاّ بعد أن يعجز ـ بحكم أشياء عديدة ـ عن الوصول إلى الحقيقة، لذلك نراه يتعلق بهذه الأشياء ليسدّ هذا الفراغ والحاجة النفسية والفكرية لديه.

أما الإنسان الحرّ والمتفتّح على الوجود بكل كيانه، والذي تدبّر بعقله هذا الصنع العظيم ـ كما في قصة نبينا إبراهيم عليه‌ الصلاة والسلام ـ فإنّه يقطع أن الغاية لا بدّ أن تكون متناسقة مع هذا الوجود العجيب، وهذه الحكمة الكبيرة، قال تعالى: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ ... ))(سورة فصلت ـ 53).

وقال تعالى: ((أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ))(سورة المؤمنون ـ 115 ـ 116).

فلا يمكن أن يكون هذا الخالق صنماً يصنعه الإنسان بيديه، أو يكون شيئاً من الأفلاك والنجوم، أو الأشخاص، أو المظاهر الطبيعية وغيرها؛ لأنّ كل أُولئك محدود وموجود ومخلوق وناقص، ولأن من الأُمور الفطرية التي فطِر الناس عليها هو النفور من النقص، والاتجاه نحو الكمال، لذلك فإنّ الإنسان ينفر من كلّ نقص وعيب.

فمبدأ الغائية هو من ثمار التوحيد، ولا يمكن أن يستقيم إلاّ من خلاله، وأنى لهذه المعبودات الناقصة من تحقيق الكمال لنفسها، فضلاً عن إعطائه لغيرها، على قاعدة: "أنّ فاقد الشيء لا يعطيه" ، وصدق الله تعالى إذْ يقول: ((إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ))(سورة الحج ـ 73).