الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ -
الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ - 24 تشرين الثاني 2024


العراق منطلق الثورة الحسينية... قراءة في دواعي انتخاب الإمام الحسين للعراق، منطلقا لثورته الخالدة
4 ذو الحجة 1443هـ
ما زال الحديث عن الحسين الثائر عليه الصلاة والسلام وثورته الخالدة، محل اهتمام المؤرخين والأدباء والإعلاميين، فضلا عن القادة العسكريين! لما تنطوي عليه هذه الثورة من أبعاد ورؤى، لم تعيها جيدا حتى التقنيات الحديثة والطروحات العصرية سواء ما كان منها على الصعيد الأدبي والإعلامي، فضلا عن التعبوي والعسكري، ـ على الرغم من تقدمها الزمني عن تلك الثورة ـ! كيف لا؟! وأن المخطط له وقائدها هو الحسين عليه السلام، البقية المحمدية والامتداد العلوي.
وعلى الرغم مما كتب هؤلاء عن هذه الثورة الأخلد، إلا إن بعض الأسئلة، ما زالت تلح بالخاطر، باحثة عن إجابة، بعد أن اعيتها الإجابة الماورائية، بقصور سائلها عن إدراك طريقة تفكير العقلية الحسينية، باعتبارها وارثة لخلاصة العقول البشرية متمثلة بالأرث النبوي.
ومن اهم تلك الأسئلة، هو السؤال عن سبب اختيار الإمام الحسين عليه السلام للعراق ساحة لثورته؟ بدلا من غيره من البلدان والأمصار، خصوصا مدينة جده ومهبط الوحي مكة المكرمة بكعبتها الشريفة، فضلا عن المدينة المنورة بساكنه صلوات الله عليه وآله.
وقد تناوشت اختياره عليه السلام هذا، جملة تصورات وربما إثارات تنطوي على تسطيح لنظرة صاحبها عليه الصلاة والسلام، ناهيك عن تكهنات البعض حولها، بناء على تصوراته الآنية و"المحدودة".
وبعد سعة إطلاع على دوافع الإمام الحسين عليه السلام لاختيار العراق منطلقا لثورته، وإرهاصات تلك المرحلة من خلال قراءة التأريخ ـ في حينها ـ ورجاله، صار التصور الى أن اختيار الإمام الحسين عليه السلام للعراق، لا يخلو من سبب من هذه الأسباب ـ وربما كلها مجتمعة ـ، وكما يلي: 
1. ان قصد الإمام الحسين عليه السلام للعراق، إنما مرده الاستفادة مما مهده أمير المؤمنين علي عليه السلام من بناء قاعدة جماهيرية واسعة تؤمن بالمنهج العلوي كتتمة للإسلام المحمدي، قبل أن يخوض به المتربصون ويغيروا القناعات الجمعية المتوالدة لديهم منذ التمهيد العلوي المبارك ابان قيمومته فيه، وبذلك فإن استثمار الإمام الحسين شهادته في بيئة موالية لمنهج ابيه عليه السلام سيمد بظلال هذه الثورة ويصيرها صالحة لكل زمان ومكان، خصوصا وأن دمه الشريف ـ الذي يعلم هو بأنه لا محالة سيراق في كربلاء العراق ـ سيكون مبعث ثورة ضد الظالمين، إنى كانوا ومتى كانوا، وبذلك فإن العراق هو المنطقة الأخصب جماهيريا ـ وحديثنا من منطلق تعبوي ـ لنصرة القضية الحسينية، والقضايا المبدئية المشابهة لها.
2. اثنولوجيا، فأن فرضية اختيار الإمام الحسين لمصر ما غير العراق، مكان لثورته، سيضعفها جماهيريا، باعتبار أن الأمصار الأخرى كانت أموية الهوى في الأغلب، وهو ما قد يوأد الثورة الحسينية ـ من قبل هؤلاء ـ حتى قبل انطلاقها، وبالتالي فأن لجوئه عليه السلام اليها سيدخله في قراءة سلبية من قبل سكان هذه الأمصار، لا أقله؛ تصورهم بأنه هرب مو المواجهة ولاذ بالأباعد، وهو ما قد يتصوره البعض بأنه خيار شخصي محكوم بالمادية والمصلحية، في وقت كان يعمد فيه الإمام الحسين عليه السلام الى الثورة ـ والشهادة من خلالها ـ لتولد من ذلك شرارة كافية لكل ثورات المستقبل المناهضة للظلم بكل أنواعه، ناهيك عن إن تلك المرحلة كانت قد شهدت حربا كبيرة ـ ولو في غالبيتها باردة خلا حروب امير المؤمنين عليه السلام مع الطغمة الأموية ـ بين العراقيين من جهة والشاميين من جهة ثانية، وهي بطبيعة الحال حرب أيديولوجية بين أتباع علي عليه السلام وبين اتباع الحاكم الشامي معاوية ومن بعده أبنه يزيد عليهم لعائن الأرض، وبطبيعة الحال فأن العراقيين سيكونون أكثر من غيرهم قبولا للثورة الحسينية ولقائدها، وهو ما استفاده الإمام الحسين عليه السلام كتوظيف عاطفي جماهيري كان كافيا لفضح المخطط الشامي الرامي لتشويه الإسلام، خصوصا وأن قادة هذا المخطط هم الجذر الأموي ونبتته الأولى ـ بما عرف من حقد على السلالة المحمدية الشريفة ـ فضلا عن قادة بيزنطيين كسرجون الرومي مثلا الذي يمثل عدم قناعة المؤسسة الدينية الكبرى لغير المسلمين.
3. على امتداد الأمصار الإسلامية وسعة اقطارها، فأنها لن تواجه الطغيان الأموي! سوى ما حدث في العراق أيام الإمام علي عليه السلام، وهو ما دفع به عليه السلام لأن يتخذ من هذا المصر عاصمة لدولته، لما وجد فيه من رجال أشداء ومخلصين، وذات الأمر حدث مع الإمام الحسن عليه السلام يوم لاذ بالمدائن من غدر الغادرين، لنستنتج من كل ذلك بأن العراقيين هم الأباة الأصلاء للضيم، وهم الثوار الأكثر صدقا بثورتهم على الطغمة الأموية في حينها، وهو سبب أخر يدفع بالإمام الحسين عليه اسلام لانتخاب هذا المصر منطلقا لتحركه الثوري، خصوصا وأنه عليه السلام كان قد جس نبض الأمصار الأخرى قبيل ثورته ـ لأن مشروعه هو الإصلاح في أمة جده رسول الله عليهما السلام  أنى كانت للإصلاح محل ولازمة ـ، إلا أن الحاصل هو أن العراقيين فقط من كاتب الإمام الحسين وعاهد على النصرة، ما جعل البد منه أن يتوجه صوب هم لأن باقي الأمصار كانت تدين للأمويين! بالطمع، او بسلب الإرادة بالقهر والخضوع أو بضعف الإيمان بقضية الثورة والإصلاح.
ومن كل هذا وذاك، نستنج أن اختيار الإمام الحسين للعراق وشعبه كمنطلق لثورته، لم يكن اضطرارا ألجأته اليه الضرورة، إنما كان عن وعي ودراية، خصوصا وأنه الأعلم بطبائع الناس والمجتمعات بما ورثه عن ابيه وجده عليهم السلام، فضلا عن أن ورعه وتقوى كانا يحتمان عليه اختيار منطلقات متينة لثورته وإدامة ظروف إنجاحها بشكل معمق وراكز، ناهيك عن بوصلة عصمته التي كانت لا تغادر أي صغيرة أو كبيرة في سبيل عدم إراقة غير الدم المستحق للإشعال الثورة وعدم انضاب وقودها، وهو ما يجعل من هذا الاختيار، اختيارا مسؤولا وانتخابا عميق المداليل، ما زلنا نشهد دلائله حتى اللحظة من خلال ما نلمسه اليوم إزرة يقدمها العرقيون لقائدهم وإمامهم الحسين عليه السلام على الرغم من فوات أكثر من أربعة عشر قرنا على تلك الواقعة الأليمة.