الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ -
الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ - 24 تشرين الثاني 2024


ما وراء فلسفة تعدد الزوجات
16 ربيع الثاني 1439هـ
التعدد في الزوجات، ليس من ابتكارات الدين الإسلامي، فقد سبقته الكثير من الحضارات والديانات والأمم، الى ذلك، وربما جرت العادة في بعضها على ذلك، حتى ان بعضها يستعيب من لا يتزوج بأكثر من واحدة.
وعلى هذا فأن الإسلام إنما حددها ونظمها وبين دواعيها، فضلا عن تفصيله لقواعدها، أذ سمح للرجل بالزواج بأكثر من واحدة، لغاية أربعة زوجات، في وقت واحد، وربما رهن ذلك بداع وعلة، ((وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي اليتامى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مثنى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَٰلِكَ أدنى أَلَّا تَعُولُوا))(النساء ـــ3)، ورهن ذلك بضرورة تحقيقه للعدالة بينهن، ((وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي اليتامى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً))(النساء ـــ3)، وذلك من حيث الحقوق المعاشية من جهة والشخصية من جهة أخرى كتقسيمه وقته بينهن بالمساواة بنحو لا يضيع فيه حق أي واحدة منهن، وهو ما يسمى بالعدل الظاهري او الأسري، بل وحدد العدل العاطفي والميل القلبي رغم استدقاقه وصعوبة مناله ((وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا))(النساء ـــ129).
كما يرى الإسلام، أن الوضع الطبيعي في زيجة الإنسان، هو أن يكون "رجل واحد لامرأة واحدة"، بحيث تتمركز عواطفهما نحو بعضهما البعض، ويوجه كلاهما اهتمامه نحو الأخر من غير منافسة، فضلا عن تشاركهما في البناء الأسري، وهو ما يجعل تعدد الزوجات مجرد حلا لحالات خاصة ومقيدة، ومنها مثلا معالجته لكثرة النساء العوانس والأرامل (والحال ان الرجال اكثر عرضة للموت من النساء بحكم تصديهم لما لا تستطيعه النساء كالحروب والأعمال الشاقة) ما جعل نسبتهن اكثر بالقياس مع نسبتهم (وكلامنا في بعض المجتمعات)، وبالتالي فأن التعدد سيفسح أمامهن أمل الحياة الطبيعية، ويتيح لهن فرصة السعادة الزوجية، وممارسة دور الأمومة.
مع أن الإسلام أجاز التعددية ولم يأمر بها، بل قيدها أشد القيود، وذلك بعد أن اعتبارها الحل الطارئ بالقياس مع الوضع الطبيعي فيما ذكرنا من كون "رجل واحد لامرأة واحدة"، لذا فأن التعددية حل بديل لبعض الحالات، بل وحل مشروط، أي إن التعددية تبقى ـــ بالقياس مع الأصل ـــ محدودة جدا.  
وربما يرى البعض أن تعدد الزوجات؛ تعديا على حق المرأة، بيد إن الإسلام ينفي ذلك، ومنه مثلا ان زواج الرجل من أخرى غير زوجته الأولى لا يعد سلبا منه لحق غيره في الزواج منها كما يعتقد البعض، لأن قبول المرأة بالزواج إنما ناشئ من رغبتها الحقيقة، مع أن الزواج الثاني يمكن ان يتضمن معالجة لحالات أخرى كتزويج الأرملة والمطلقة ومن فاتها شيء من العمر دون أن تتزوج، وإذا ما ارادت ان تتزوج رجلا ما؛ فليس لأخر ان يجبرها على الزواج منه لأن العقد فيه ـــ الزواج ـــ يستلزم الموافقة والإيجاب والقبول. 
 وللرد على شبهة أن التعددية تؤدي الى اضطراب في الوضع الأسري الأول (بالنسبة للزوجة الأولى) فضلا عن اقحام الحياة الزوجية الجديدة (من الثانية) بمشاكل مع الأولى، فأن هكذا حجة؛ واهية من الأصل، فكم من علاقة زوجية تشظت على الرغم من كونها الوحيدة، وكم من زيجات متعددة بنيت على معايير العدالة والمساوة والأنصاف وصارت إنموذجا يحتذى في دقة التطبيق للتشريع السماوي، خصوصا وأن المشرع الإسلامي قيد هذه التعددية بالعدالة الزوجية مما سبق ذكره، وبالتالي فأن أي مثلبة في التعددية إنما مردها سوء التطبيق من بعض الأفراد وليس للتنظير من دخل في ذلك. 
لذلك، فأن التعددية للرجل بأكثر من زوجة، أنما هو حالة غير ضرورية، كما انها مقيدة بقيود وضوابط، فضلا عن ضرورة احتواءها على الهدف النبيل والنية السليمة بما يقفز به ـــ التعدد ـــ الى ما فوق المزاجية والذوقية والنزوية مما لا يمكن ان تبنى وفقها اسرة صالحة تكون نواة لمجتمع مسلم. 
  مع ان الإسلام لم يراعي في سماحيته بالتعدد، مصلحة الرجل فحسب، إنما نظر للمرأة بعين العطف والمداراة، سيما تلك التي يقل حظها من الزواج لأي سبب كان، كما أنه ـــ الإسلام ـــ راعى أيضا حق المجتمع، من خلال تأسيسه لموانع الفساد والإفساد والتحلل من خلال هكذا تشريع، بسبب أن الفرد منهما ممن يرغب في إنشاء علاقة زوجية أخرى، سيلجأ ـــ إذا ما منع من الزواج الشرعي ـــ الى البحث عن ارواء ظمأه الجسدي وربما الروحي، الى علاقات غير مشروعة، وهو ما يهدم المجتمع بشيوع الانحراف والتسبيب له.