الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ -
الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ - 24 تشرين الثاني 2024


فلسفة المواريث في الإسلام
18 رمضان 1443هـ
يعرف الإرث بأنه انتقال حق الملكية من الميت إلى الحي ويشمل الأمور المالية وسكنى الدار وكل ما يصدق عليه تركة، كذلك الأمور غير المالية كحق الخيار والقصاص.
ويأخذ الإرث صفة الجبر كنظام تعبدي إسلامي، ويستمد مشروعيته من نصوص مثبتة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وله طريقين لنقل الملكية فإما يكون عن طريق النسب كعلاقة الأب بعائلته من أبنائه وأبويه وأخوته وأخواته وأعمامه وأخواله.... وهكذا، أو عن طريق السبب كما في العلاقة الزوجية أو غيرها، ويبعد بعض الناس عن الإرث كمن يتصل بصاحب التركة بولادة غير شرعية كالزنا والقاتل والكافر وما منع الأقرب منه الأبعد.
ولقد أخذ الإرث علو منزلة وسمو شرف بعدما نسبه الله لنفسه، في عدة آيات من القرآن الكريم فهو الوارث المطلق الذي يرث الأرض وما عليها بعد فنائها ((وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ)) (الحجر-23) كونه المالك الحقيقي الذي خول عباده بملكه، ولأجل مسمى عنده ((قُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) (آل عمران-26) ليستعيد بعد الفناء إرثه من عباده الذين ورثهم ملكه؛ ليكون هو الوارث الحقيقي بالدنيا وما فيها بعد انقضاء الأجل المسمى ((يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّـهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ))(غافر-16).
كذلك ازداد رفعة بعد طلب الأنبياء من الله أن يجعل لهم ورثة كما في نبي الله زكريا ((وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)) (الأنبياء-89-90) كما وأن للإرادة الإلهية شأن تشريف للإرث بعدما جعلته في حكم الأرض للمستضعفين وبينت دوره في نصرة المظلومين، كذلك فيه إحقاق للعدل الإلهي وإبطالا لسنة الظلم، إذ جعلتهم الأئمة والوارثين للملك في الأرض ((وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)) (القصص-5).

شروط الإرث وأركانه
لتحقق الإرث لا بد من تحقق موت صاحب التركة المورث أو أن يكون بحكم المفقود بشرط حكم القاضي بالموت، كذلك لا بد من التحقق من حياة الوارث الذي يستحق ذلك الإرث وأن يكون ذا صلة بالمورث عن طريق نسب أو سبب، فضلا عن التأكد من وجود التركة، كما يجب فض كل المتعلقات بالتركة قبل توزيعها كالدين والوصية وتجهيز الميت المورث والتأكد من عدم وجود مانع يمنع التوريث كالكفر والقتل وابن الزنا.

تنظيم الإسلام للإرث
ينظم الإسلام الإرث بقانون عادل وسلس يحمي حقوق انتقال الملكية من الميت إلى الحي، ويعتبر ذلك من ضرورات العقيدة الإسلامية التي غايتها العدل بين الناس.
وقد جاء نظام الإرث في الإسلام لتصحيح مسار ظالم وعلى طول تاريخ البشرية في توزيع الإرث، حيث تفننت الحضارات الغابرة بالظلم في توزيع الإرث، سواء كان بالنسبة للمرأة من خلال حصر التركة بالذكور فقط، أو من خلال ظلم الأبناء بالتفريق والتمايز بينهم، حيث تحصر التركة في المحارب الذي يحمل السلاح دفاعا عن كيان القبيلة فقط، وهذا ما كان يجري في العهد الجاهلي قبل الإسلام، ناهيك عن بعض الحضارات الحالية التي تعطي الحرية كاملة للمورث في تعيين من يرثه حتى لو كان حيوانا وهذا ما لا يقره الإسلام، ويضع حدودا وشروطا في كيفية توزيع الإرث، لذا ولتصحيح ذلك المسار الظالم فقد دون الإسلام نظامه بتشريع قوانين تنظم توزيع الإرث بشكل عادل بآيات من الذكر الحكيم لا يمكن القفز فوقها أو التلاعب بمضامينها، منها حق المرأة وحقوق الأبناء والأبوين والأخوة بالتفصيل ((يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا )) (النساء-11).
ولم يغفل نظام التوريث في الإسلام أي حالة إلا وأوجد لها مخارج عادلة كما في الكلالة التي بينها بنص قرآني مبين ((يسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّـهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فللذكر مثل حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) (النساء-176).

مزايا الإرث في الإسلام 
يعمل نظام الإرث العادل في الإسلام بتقوية أواصر العلاقة الأسرية بين الأب وأبنائه حيث الشعور بأن كل جهده وتحصيله المالي سيذهب بعد مماته لأبنائه الذين هم من صلبه، وجزء منه لزوجته التي شاركته الحياة بمرها وحلوها؛ أو لوالديه وأخوته الذين يرتبط معهم برابطة البنوة والدم، وبالمقابل فإن الورثة سيشعرون بعظيم فضله عليهم إذ أمّن لهم من خلال التركة؛ سد الكثير من احتياجاتهم المادية بما يؤمن لهم مستقبلا أفضل، كذلك خلق لهم فرص للعمل ما كانوا قادرين عليها قبل الإرث، ليشكل بذلك ضمانة لهم من الفقر، كما وأن مبدأ التوزيع العادل للإرث يشعر جميع الورثة بالمساواة مما يبعد عنهم روح التنافس والتناحر التي تسبب الحقد ما بينهم.