الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ -
الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ - 24 تشرين الثاني 2024


المهر في عقد الزواج ... الفلسفة والمعنى والمبنى
14 جُمادى الآخرة 1441هـ
تأخذ المراسم والطقوس في الإسلام بعدا عقليا وقيما، ولم تكن ـ كحال بعض الأديان ـ شكلية مفروغة المحتوى، إنما تقصد من خلفها تطبيقا ذا قيمة ورسالة وهدف، خصوصا في جزئياته الاجتماعية، فضلا عن كلياته، حيث نجدها تحمل هدفية حكيمة، يكون غرضها عند ذاك ذا قصد عميق، ومعنى متين، بأعتبار إن مشرعه سبحانه وتعالى حكيم عليم، ما خلق كونه هذا لاعب أو عابث. 
وتستدق هذه المراسم وتحمل بين طياتها جنبات ذات فسلفة عميقة، تكون في المحصلة حل لمعضلة أو تحاشيا لمشكلة، أو اعتبار لظرف، آنيا كان هذا الظرف أم مستقبليا، ما يعني أن هذه المراسم لم تكن مجرد قيدا أو شرطا، إنما جزء لا يتجزأ من أصل التشريع وقصده.
وحديثنا عن جزئية المهر في الزواج حسب الشريعة الإسلامية، وبالتحديد عن الفلسفة الروحية والمالية له، فضلا عن الاجتماعية، التي يمكن استخلاصها من خلف تشريعه كلازمة لعقد الزواج.
ويمكن تعريف المهر على أنه حق اعتباري ذا صبغة مادية غالبا، ـ وقد يكون عطاء معنويا كتعليم سورة من القرآن او حرفة ما ـ مخصوص للزوجة دون الزوج، يتفق عليه الطرفان بشكل رضائي، مع بعض المحددات التي يراها بعض الفقهاء في موضوع الكفاءة بين الزوجين، فضلا عن استطاعة الرجل. 
كما يمكن للزوجين الاتفاق على دفع الرجل مهر المرأة بحسبة شرعية، حيث تأخذ نصف المهر عند العقد، والنصف الثاني بعد الدخول، كما يمكنهما الاتفاق على تأجيل نصفه عند أحد الأجلين، الطلاق او الموت، حيث يسمى الأول معجلا والثاني مؤجلا، مع أن عدم تسمية مقدار المهر لا يبطل الزواج، بأعتبار أن الأصل في عقد الزواج هو نشدان الاستقرار النفسي والجسدي وتأسيسا للحياة الزوجية وتكوينا للأسرة، وبالتالي فأن فوات هذه التسمية يمكن أن يحل بتسميته ولو أجلا بمقدار قريناتها، او تراضيا على تسميته من جديد. 
ويطلق الشارع المقدس ـ قرآنيا وعصمويا ـ لفظ "الصداق" مرة ولفظ "الفريضة" في أخرى على المهر، ناهيك عن مفردة "المهر" نفسها، ففي سور النساء قال جل وعلا ((وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا))(سورة النساء ـ 4)، وقوله تعالى (( لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(237))(سورة البقرة ـ 236 ـ237)، وغير ذلك من الموارد سواء ما كان منا مجملا او مفصلا، ناهيك عن تأكيداته في الروايات العصموية، ما يجعل منه ذات أهمية وحكمة تستوجبه وتستوجب هذه التأكيدات الشريفة عليه، مع أن المراد منه هو التقييم الاعتبارية للمرأة، حيث أن قصد الزواج منها هو بناء الأسرة والأنس بالطرف الأخر، وهو ما جعل القرآن الكريم يصفه بـ "النِحلة"، والنِحلة هي الهبة والعطية بلا قصد المعاوضة، أي أنها هدية الله سبحانه وتعالى لها، فرضها على الرجل، وبالتالي فأن الرد على من يرى في المهر "حق معاوضة" عن الاستمتاعات الجسدية بها، وهو ـ مهرها ـ جزاء مالي يفرض على الرجل قبالة تمتعه بها، هو أنه هبة ربانية تفرض على الرجل لصالح المرأة، وما يثبت عدم كونه أجرة تمتع، هو أن الاستمتاع واقع من الطرفين، فلماذا يفرض المهر على الرجل دون المرأة؟!، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لماذا تستحق المرأة نصف مهرها إذا طلقت قبل الدخول بها وحصول الاستمتاع؟!
لذا، فأن فلسفة المهر تتضمن جوانب عدة، قد يكون الجانب المالي أصغرها واخرها قصدا، فمن جملة ما يراد بالمهر، ما يلي:
ـ المقصد التهذيبي: حيث يسعى الرجل لتقديم ما يمكن أن يرضي به المرأة كونها مطلبه، وما يتمناه، وتقديم هذا المهر لها ينسجم مع تكونيها العاطفي، بأعتبار أنه يمثل خطوة أولى من سعيه نحوها وطلبه لها، وجديته في التقرب منها، مع ما يشعرها ـ المهر ـ به من حيث أنه ـ الرجل ـ مستعد أن يقدم للمرأة ما يمكن أن يكون سببا لأدامة حياتها من سكنى ومأكل ومشرب، وبالتالي فبه جنبة تهذيبية للرجل قوامها بأن عليك الكد والعطاء لهذه المرأة.
ـ المقصد العقابي: وهو مقصد يقترب من كونه عقابا للرجل، يلزم بأعادته لها ـ خصوصا ما يسمى بالمهر المؤجل ـ فيما أذا أفرط عقد الوصل بينهما بداعي صعوبة الاستمرار بالعيش سوية، وهو مستل من القاعدة: "الطّلاق بيد من أخذ بالسّاق"، وبالتالي فأن طلاقها من غير مقابل يفقرها قيمتها الاعتبارية، كما أن قيد هذا المهر، قد يذكره بأنه قد ألزم نفسه سابقا بجملة الزامات أخلاقية وادبية فضلا عن المادية، وبالتالي يمكن له ان يراجع نفسه عن ذلك، فضلا عن كونه ـ المهر ـ ضامنا لها ولو بدرجة بسيطة، فضلا عن ضمانات أخرى. 
ـ المقصد التعويضي: حيث يراد بهذا المهر، تعويضا للمرأة بعدما تنفصل عن زوجها، مع أن الأصل في الزواج هو حالة السكنى والاستقرار واستمرار النوع منهما (( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ))(سورة الروم ـ20)، إلا ان حالها بعد الطلاق يحتاج ما يقومه ولو على سبيل ضمان دواعي الحياة البسيطة من طعام وشراب وملبس، خصوصا وأن الطلاق سيكون مانعا من تواصلها مع الأخرين، او العمل لتوفير احتياجاتها، لفترة محددة، كونها ملزمة بفترة من الصت الاجتماعي ـ العدة ـ التي يصعب عليها توفير مصدر رزقها وحياتها اليومية. 
وسنترك التوسع في جزئيات المهر لمقالات أخرى تندرج ضمن اواب حقوق المرأة ان شاء الله.