الموثوقية بالحدث الإسلامي جزء
مهم ومؤثر في تثبيت عقيدة المسلمين؛ حيث أن مصداقية الحدث لها
تأثير سيكولوجي على البنية العقدية والأخلاقية للمسلم؛ إذ تبعث
فيه روح الاطمئنان القلبي بعقيدته الإسلامية التي ينطبع بها
سلوكه؛ وعليه ولتأكيد الحدث الإسلامي يفترض وجود دلائل وشواهد
حاضرة وقائمة، تتصل به زمانيا أو مكانيا او روحيا؛ وتأخذ صفة
الموثوقية لتطمئن اليها النفوس والقلوب، وتستقر على ما آمنت
واعتقدت به، خاصة وأن الفاصل الزمني بين المسلمين وبعض تلك
الأحداث يبعد بفاصلة زمنية تتجاوز الـ (1400) سنة أحيانا، وسيثير
ذلك بالتأكيد الكثير من الشكوك بمجريات الأحداث السالفة خاصة عند
من يطلب اليقين بها.
كما أن البحث عن الوثاقة مرّده
التيقن من سلامة الحدث الإسلامي من الوضع والتحريف؛ كون طول
الفترة التي مضت ليس بالهين التغاضي عن تحولات أحداثها التي جرت،
فلربما جرت بشكل سلبي مزور.
ولكي يتم التصديق بالأحداث
الماضية بشكل يقيني مقنع، فلا يمكن القبول بها على علاتها بلا
سؤال ولا تحقق؛ ومن هنا كان من حق المسلمين السؤال عن الدليل
والشاهد الذي يثبت صحة ووثاقة الأحداث الإسلامية التي جرت في زمن
الرسول الأعظم صلى الله عليه واله حيث مرحلة التأسيس للدين
و"الدولة الإسلامية" إذا جاز التعبير، أو فيما تلاها من أزمنة تخص
تطورات الأحداث الإسلامية برمتها، وهذ حق مشروع يستمد مشروعيته من
الدين الإسلامي الذي يطالب المسلمين دائما بالتدبر والتفكر فيما
يرد عليهم وفي العديد من آياته ((....... ذَّلِكَ مَثَلُ
الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ
لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)) (الأعراف -176).
وبدون ذلك ـ التيقن عبر التفكير
والتدبر ـ يكون الحدث الإسلامي مجرد وهما أو أسطورة سطرت في الكتب
بلا دليل يصدقها؛ ما يجعل للشك وجودا؛ نحو وهم بعض الأحداث
الإسلامية، بل ويرما أنزلها منزلة نسج خيال لكتاب ووضاعين كتبوا
وألفوا بهواهم ومزاجهم أو تحت تأثير ضغوطات السلطات في عصرهم، وقد
أضافوا لكتاباتهم هالة تقديس تجعل الأخذ بها مسلمات على عواهنها
لتكون مستقبلا واقعا إسلاميا مصدقا يصعب إنكاره خاصة إذا تعاقبت
عليه الأجيال دون سؤال أو تحقيق.
لذا فأن أثبات موثوقية هذه
الإحداث لابد أن يأخذ طابعا علميا ممنهجا يثبت بثباته يقين
المسلمين بعقيدتهم، ومن تلك الأدلة والشواهد التي تؤكد موثوقية
الحدث الإسلامي ما يلي:
1. البقاء والثبات والنمو السريع
للدين الإسلامي...
إن شهادة واجتماع المسلمين برغم
تباعد مناطق سكناهم وتفرقهم في الدول على عقيدة واحدة - عقيدة
الإسلام ـ وعلى كثرتهم ـ حوالي مليار و400 مليون مسلم ـ على أن
تلك العقيدة إنما هي دين سماوي بعث به الرسول محمد صلى الله عليه
وآله؛ وممارستهم لطقوسه وشعائره وفق تعليماته وقوانينه ولحد الآن
رغم بعد الفاصلة الزمنية بينهم وبين بدايته لهو أعظم دليل وأكبر
شاهد على موثوقية وجود الدين الإسلامي كحدث رسالي قديم لا زال له
وجود حي قائم، ولا زالت آثاره تسكن النفوس المؤمنة به وتشهد على
قدمه وبقائه، كما أن اتفاق المسلمين وتناقلهم للأحداث التاريخية
المهمة وتدوينها في كتبهم يؤكد أنهم ما دونوها إلا وهم معتقدين
بصحتها واثقين بحدوثها برغم اختلاف توجهاتهم المذهبية، كظهور
الإسلام بداية في مكة المكرمة ومعاداة مشركي قريش للرسول صلى الله
عليه وآله؛ فضلا عن فتح مكة في السنة العاشرة للهجرة وبيعة
الغدير التي جرت في حجة الوداع في أواخر حياة النبي صلى الله عليه
واله التي بويع فيها أمير المؤمنين عليه السلام على ولاية أمر
المسلمين.
2. وجود الوثائق والمدونات
الإسلامية...
من الأدلة على وثاقة الحدث
الإسلامي هو العثور على كم هائل من الوثائق القديمة، من قبل علماء
الآثار والحفريات؛ وقد تم التحقق من قدمها بالفحص الدقيق ومن خلال
عمليات الكربون المشع؛ حيث وجد العلماء ـ بعد التأكد من كونها
وثائق حقيقية وقديمة ـ أنها تشير للحدث الإسلامي الذي عاصرت
زمانه، كما حصل ذلك بالعثور على مدونات قديمة للقرآن الكريم
كمدونة برمنغهام التي تعتبر من أقدم نسخ القرآن الكريم لحد الآن
وتعود أصولها لزمن قريب جدا من عهد الرسول الأعظم صلى الله عليه
وآله؛ ومدونة صنعاء ـ التي تتأخر عن الأولى مدونة برمنغهام بزمن ـ
وكلاهما أكدتا على مصداقية وموثوقية نسخة القرآن الكريم التي بين
أيدينا كوثيقة إلهية مصدرها السماء، ونتداول نسخها
اليوم.
كما تم العثور على مدونات ووثائق
أخرى تشير لحوادث شتى ولعهود إسلامية متفرقة في عناوينها وفي
أزمنتها وفي شتى المجالات العلمية والأدبية والفلسفية لعلماء
وأدباء وفلاسفة عرب ومسلمين كل في الحقبة الزمنية التي عاش فيها؛
فهنالك المؤلفات في الطب للفخر الرازي وفي الكيمياء لجابر بن حيان
وفي الفلسفة للفارابي وأبن رشد وأبو حيان التوحيدي وابن عربي، وفي
الشعر والأدب، فضلا عما وجدوه من مسكوكات مالية ذهبية وفضية تشير
للفترة العباسية والدولة الفاطمية في مصر وهذا يعتبر دليل آخر
يوثق وجود دول إسلامية قديما.
3. وجود الآثار
الإسلامية...
إن وجود آثار إسلامية شامخة في
المدينة المنورة لليوم كبيت رسول الله صلى الله عليه واله الذي
كان يسكن فيه وآثار المسجد النبوي الذي كان مركز تجمع المسلمين في
صلاتهم وتداول شؤونهم الدينية والحياتية ومسجد قباء ومقبرة البقيع
التي تعتبر المقبرة الرئيسية للأهل المدينة من زمن الرسول صلى
الله عليه وآله، ومقبرة شهداء معركة أحد؛ كل هذا يزيد في موثوقية
الحدث الإسلامي، ولعل وجود آثار بعض معارك الرسول صلى الله عليه
وآله تزيد الاطمئنان أكثر بوقوع تلك الحوادث والتثبت منها حيث لا
زالت أماكنها وآثارها موجودة للآن؛ كمعركة بدر وأحد والخندق وكذلك
آثار معركة خيبر التي لا زال باب قلعتها حاضرا يحكي بعض أحوال
المعركة آنذاك، كما أن وجود مدن إسلامية عريقة شامخة لليوم اتخذت
قديما عواصم للدولة الإسلامية يكون له الأثر الكبير في تأكيد
موثوقية الحدث الإسلامي كالمدينة المنورة التي كانت عاصمة لدولة
الرسول الأعظم صلى الله وآله والخلفاء السياسيين من بعده أبو بكر
وعمر وعثمان بعد هجرته إليها من مكة المكرمة، كذلك كانت مدينة
الكوفة عاصمة للخلافة الإسلامية في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب حيث نقل الخلافة إليها من المدينة المنورة بعدما وجد النصرة
والتأييد من أهلها لخلافته وحروبه التي جرت مع الناكثين في معركة
الجمل والقاسطين في معركة صفين والمارقين في معركة
النهروان.
كذلك وجود آثار مدينة بغداد عاصمة
الدولة العباسية التي بناها المنصور العباسي ولا زالت تزخر بآثار
العباسيين كالمدرسة المستنصرية وغيرها من الآثار، ومدينة سامراء
كذلك كانت عاصمة للدولة العباسية وفيها من الشواهد الكثيرة
كالمئذنة الملوية التي بناها الخليفة المتوكل العباسي وقصر
العاشق، ولا ننسى دمشق عاصمة الدولة الأموية التي لا زالت شاخصة
بآثار الأمويين فيها كالجامع الأموي الذي يؤرخ لتلك الفترة
الزمنية، ولا يغيب عن ذكرنا آثار الدولة الأموية في الأندلس حيث
حكمها العرب لأكثر من 800 عام وقد وثقت مدينة قرطبة وإشبيلية
وغيرها؛ الوجود الإسلامي بآثار عظيمة تشهد على أن المسلمين كانوا
هنا بعظمة تأثيرهم العلمي والحضاري والعمراني.
لذا فإن هذه العواصم والمدن
الإسلامية المنتشرة على امتداد الدولة الإسلامية القديمة هي خير
شاهد على موثوقية الحدث الإسلامي بما لا يمكن إنكاره ممن يكرهون
الإسلام وتاريخه ودولته؛ مهما ساءت النوايا والدوافع الخبيثة من
قبلهم.