الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ -
الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ - 24 تشرين الثاني 2024


القيمة الاعتبارية لفلسفة المؤاخاة في الإسلام
26 رمضان 1443هـ
يدعو الدين الإسلامي لمنظومة عدل ومساواة لا تمايز فيها ولا تفاضل بين الجميع إلا بالعلم ((.........قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)) (الزمر-9)، فضلا عن مائز التقوى ((........إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) (الحجرات-13)، ما جعله لا يقيم وزنا للون أو نسب أو حسب، في سياسته وتعامله مع معتنقيه أو حتى مع من يخالفه بالعقيدة، وعليه؛ فقد شّكل إيمانه بهذه المبادئ عنوانا مهما ورئيسيا تُرجِم عمليا بسياسة المؤاخاة التي أقرها النبي صلى الله عليه وآله بداية بين المهاجرين أنفسهم في مكة المكرمة، بعد أن أخذت دعوة الدين الإسلامي شكلها العلني ليلاقي المسلمون في إشهارها أشد أنواع العذاب من كفار قريش، فكان القتل والتنكيل والتعذيب هو الديدن الساري بهم آنذاك.
ولكي لا يهتز يقين المسلمين بدعوتهم وتتراجع الدعوة عن حماستها بانكفاء معتنقيها وانتكاستهم تحت تأثير البطش القرشي، وكي يقترن الإيمان بالعمل الصالح وتخرج العقيدة من مستوى التنظير إلى الواقع العملي، راح نبي الإسلام محمد صلوات الله عليه وآله يؤاخي بين المهاجرين في مكة ليشد أزر بعضهم ببعض في مواجهة الصعاب والمحن بما يجعلهم في ثبات على ما آمنوا به.

مؤاخاة المدينة
إن قساوة الظروف التي أحاطت بالمسلمين في مكة هي التي فرضت هجرتهم إلى المدينة بأمر وتخطيط من الرسول الكريم صلى الله عليه واله، حيث أراد بذلك؛ الحفاظ على حياتهم من بطش مشركي قريش، فضلا عن صون العقيدة وثباتها في صدورهم خوفا من سياسة القتل والترهيب والترغيب التي مورست ضدهم، ما قد يهز يقينهم ويرجعهم بالقوة لعقيدة الشرك.
وقد كان لدخول المهاجرين في مجتمع جديد - مجتمع المدينة – أثرا كبيرا في بداية الأمر، أشعرهم بالغربة، بداعي اختلاف الأحوال عليهم عما ألفوه في مجتمعهم السابق ـ مجتمع مكة ـ وهم من ترك الأهل والديار وفقدوا الأموال والممتلكات، بدافع الإيمان بعقيدتهم وحفاظا على أرواحهم قليلة العدد آنذاك، فضلا عن تعرضهم للآثار البدنية والصحية السيئة التي صاحبت هجرتهم، لكن ذلك لم يُغفل عن الرسول الكريم صلى الله عليه واله؛ بل كان داخلا في حساباته المسددة بتسديد الوحي الإلهي، حيث كان واعيا كل الوعي لهذه الضرورة، وقد لاقت دعوته بالمؤاخاة قبولا حسنا من الأنصار حتى مدحهم الله على أثر ذلك في القرآن الكريم ((وَالَّذِينَ تبوؤوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) (الحشر ـ 9)، لما آثروا به على أنفسهم وحملوه من حب لإخوانهم في الدين من المهاجرين.
وقد آخى الرسول الكريم صلى الله عليه واله بين الأنصار والمهاجرين بعد مرور خمسة أو ثمانية أشهر معتمدا في ذلك السنخية بينهم من خلال تقارب النفوس على الحق والمواساة.
وقد تمت المؤاخاة أول الأمر في بيت أنس بن مالك والذي يعتقد أن عددهم كان (90) رجلا نصفهم من المهاجرين. 
وكان الهدف من المؤاخاة هو الدعوة لاندماج المهاجرين الجدد في مجتمع الأنصار ـ المجتمع المدني ـ لتكوين مجتمع واحد تحت قيادة الإسلام كخيمة جامعة كبرى تذوب تحتها كل الانتماءات الضيقة، فكان الانتماء أوسع شمولية من التعصب القبلي الضيق الذي كانوا يدينون به، سواء كان للعشيرة أو القبيلة كما هم الأوس والخزرج وهذا ما أبعدهم عن حمية الجاهلية.

المؤاخاة وآثارها على المجتمع الإسلامي
1.المؤاخاة مثال أخلاقي حسن يعود بالمنفعة على المسلمين من خلال زيادة المحبة والتقارب فيما بينهم. 
2.المؤاخاة نموذج حي يُعّلم المسلمين المعاني الأخلاقية السامية للعقيدة الإسلامية ليسترشدوا بها في بناء مجتمع إسلامي رصين متماسك وقوي مجسدين بذلك البعد العملي لعقيدة الإسلام.
3.المؤاخاة بفكرها وتطبيقها الإسلامي؛ تمثل بعدا انسانيا واخلاقيا يكون حافزا للمخالفين في اعتناق الدين الإسلامي.
4.أكدت المؤاخاة على عقيدة البراءة والولاء اللتان تشكلان أس العقيدة الإسلامية، فالبراءة من كل عقيدة شركية معادية للإسلام بل ومن كل عصبية قبلية وانتماء يخالفه، في حين ان الولاء لكل ما ينتمي للإسلام ويؤمن به دون غيره، ما أوجد روح التكافل والمواساة بين الصحابة وضرب أروع الأمثلة بذلك، حيث يشهد التأريخ بوقائع لا تقبل الطعن، على ذلك.