الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ -
الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ - 24 تشرين الثاني 2024


حكومة الله.. الأسس والمرتكزات
13 ربيع الثاني 1443هـ

يُعّد مفهوم "نظم الشؤون" من أهم مصاديق حكومات الله على أرضه، نعم.. لله حكومة وحكم، قبالة تلك الحكومات التي تؤسس على جماجم الخلق، ولا تريد سوى أن تصنع أربابا لهم من دون ربهم الأعلى والأحق. 
وعلى هذا وذاك، فقد أسس الله جل شأنه الى مقدمات رصينة لحكومة عادلة، تميزها عن غيرها، بأنها لصالح الناس وإصلاحهم، ففي قوله جل شأنه: ((الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ))(سورة الحج ـ 41)، ينبئنا جل شأنه بأن لازم التمكين الإلهي لمن يرتضيه ويصفيه لهذه المنصب الرباني، هو أن يؤسس مجتمعا تنعم الناس بظلاله بما أراده الله من أصل الخلقة، بدء من العبادة ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ))(سورة الذاريات ـ 56) ومصداقها الصلاة مرورا بتأدية حق المال من خلال منظمة التكافل الاجتماعي (الزكاة) وانتهاء بمنظومة الإصلاح بمقدمتيها الضروريتين؛ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 
وبالتالي فأن أهم مدلولات الآية الشريفة أعلاه، هو أن رجال  الله في أرضه ومن يمتلك زمام الأمر بإذنه جل شأنه، سيعمل على إعمال شريعة الله سبحانه وتعطيل ما سواها وما يتقاطع معها، كنوع من إقامة موازين الحق والعدل بين الناس.
وربما يتساءل أحدهم عن علاقة الصلاة كقيمة عبادية مع ادارة المجتمع من قبل الحاكم الشرعي، والحق يقال، أن إقامة الصلاة وإشاعتها بين الناس وترويضهم عليها تحت أي ظرف كان، إنما هو ترسيخ عملي للإيمان بالله وإقرار صريح  بسقوط أي ربوبية إلا لله، وليس من حق عبودية إلا لله، وما الحاكم إلا مكلفا وبالتالي فهو أداة لتحقيق العدل، لا للتعظيم او التقديس، كما أن ذلك ـ تأكيد الحاكم على المحكومين بضرورة اقامة الصلاة ـ يرسخ حقيقة ثابتة في ذهنية المحكومين بأن الحكومة والحكام ما هم إلا ادوات الله جل شأنه، وأن أي تناقض بين ما يريد هذا الحاكم وبين ما يريده الله جل شأنه يعطي الشرعية للمحكومين بإسقاط هذه الحكومة، ناهيك عن أن تايد الحاكم على اقامة الصلاة إنما أداة لتقوية الارتباط بين الجماهير وربها عبر تشجيع الناس على العبادة والترغيب فيها كضمانة لتحصين كلٍ من الفرد والمجتمع بأقوى سلاح يمكن أن يستفيد منه الجميع في كل المجالات, لأن الحاكم العادل الملتزم بالنهج هو الذي يسعى إلى تركيز القواعد الإيمانية والأخلاقية بين أوساط المجتمع, وهو الذي يضرب بيد من حديد كل من يحاول الاندساس والتغلغل ليبعد الناس عن ربها من خلال نشر ثقافة التهاون أو الإهمال أو حتى التبرّؤ من أنماط العبادة التي تقوي العلاقات الإيمانية والتوجهات الروحية.
وبتعبير أدق، أن الحاكم العادل هو من يوصل من أؤتمن عليهم من محكومين؛ بربهم كتأدية منه لواجب الحكومة العادلة التي أوكلت إليه. 
من جهة أخرى، لم تغفل الآية الشريفة آنفة الذكر، مفهوم التكافل المجتمعي ـ وهو أهم ملامح المجتمعات الصالحة ـ من خلال تأكيدها على إيتاء الزكاة، كونها من أهم ركائز اقامة المجتمع المتكافل فضلا عن كونها ـ الزكاة ـ أهم مقوم للاقتصادات العادلة البعيدة عن التباين الطبقي الفاحش، وبالتالي فهي ميزان التكامل التوازن الاجتماعي.
وعليه فأن نظم شؤون المجتمع اقتصاديا ـ عبر الزكاة ـ تشد من نبيان المجتمع وتكفل تعاضده وتوازن بين افراد المجتمع على أسس من الانتماء والقدرة على العطاء فلا غني يطغى ولا فقير يشقى.
واخيرا، فأن إشاعة ثقافة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ركيزة ثالثة، لا تقل عن سابقيتها من اقامة الصلاة وايتاء الزكاة، أهمية، خصوصا وان هذه المفهوم سيشدد على المحكومين على احترم القوانين والأحكام دون تهاون أو محاباة، وقد أكد ذلك نبي الإنسانية محمد صلوات الله عليه وآله في قوله: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"، تبيانا منه على أن النهي عن المنكر وأداء المعروف يستلزم من الحاكم الحزم والصرامة، وعدم التمييز بين المحكومين لي سبب كان وهو ما يشجع الناس على التزام القوانين وتطبيقها وضبط سير المجتمع وفقا لما يريده الله جل شأنه، وهو عين ما أكده أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: " من أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق وأمن كيده".
وعلى الرغم من  أن الله جل شأنه قد بيّن صفات حكومته على الأرض بسميتها لمرتكزاتها الثلاث ـ اقامة الصلاة وايتاء الزكاة وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكرـ إلا أن التأريخ ما زال اقرا إلا عن رسول الله محمد وخليفته من بعده علي عليهما الصلاة والسلام، من تمكنا حقا من اقامتها ـ حكومة االله جل شأنه ـ إذ يوضح لنا التاريخ بأن ليس غيرها عليهما السلام قد تمكن من اقامة هكذا حكومة عادلة تحتكم لموازين الحق والعدل التي يريده الله سبحانه، حكومة تحسن إدارة الأمة وتربطها بخالقها وتنظم شؤونها بتجرد بعيد عن الهوى والتعصب، ما يجعل منهما ـ النبي الأكرم محمد والأمام علي صلوات الله عليهما ـ خير قدوة واسوة لمن يرغب في تسنم السلطة أيا كان واي كان محل حكومته. 

 

عبد الحسن الشمري