الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ -
الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ - 24 تشرين الثاني 2024


الاقتصاد الضائع في الدول الإسلامية.. الزراعة والمياه إنموذجا
10 ذو القعدة 1442هـ

على الرغم مما تتميز به بلدان العالم الإسلامي من موارد طبيعية كبيرة وكثيرة، فضلا عن مواقعها الجغرافية، إلا إن ثمة خلل تخطيطي يغلب على تعاملها مع هذه الموارد، وهذا أدى بالضرورة الى ضعف اقتصادات هذه الدول، وربما وقوعها لقمة سائغة بأفواه الدول الكبرى، بل وتصيف معظمها إنها متأخرة ومن ضمن قائمة بلدان العالم الثالث الأضعف والأقل تأثيرا في السميرة البشرية؛ إن لم تكن ضمن الأكثر فقرا ومجاعة.. 
ومن جملة الموارد الإسلامية الضائعة ما يلي:

ـ الأراضي الزراعية:
على الرغم من موقعية الدول الإسلامية من مصادر المياه من جهة، وتميزها بالاعتدال المناخي من جهة ثانية، إلا أن سوء استغلال هذه الأراضي ـ من الوجهة الزراعية ـ كانت هي السمة الأبرز لها والسبب الأول لفقرها، مع العلم أن أهـم مصـادر حاجات الإنسان الأسـاسية إنما هي نتاج الزراعة، كمصداق لقوله جل شأنه: ((وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ))(سورة الرعد ـ ٤). 
وإمعانا من المشرع الإسلامي في تبيان أهمية الزراعة، نبه الإسلام منذ البداية إلى أهمية تعمير الأرض وإحياء الموات منها بالزراعة والتخضير، فعن رسول الإنسانية صلوات الله عليه وآله، أنه قال: "من أحيا أرضاً ميتة، فهي له"، وهو ما أسس لمفهوم إحياء الأرض وإدامة خيرها بالزراعة، إلا أن المؤسف له أن رعاة الاقتصاد الإسلامي من قادة ومنظّرين؛ قد أهملوا هذه الوصايا وتركوا العمل فيها، فبارت أراضيهم وجاع أهلُها بعد أن أهملوا الزراعة وصاروا عيالين على غيرهم في استيراد ما كانوا ينتجونه.
وبلغة الأرقام، فأن ما نسبته (14)% من المنطقة العربية الإسلامية صالحة للزراعة على الرغم من اتسامها عموما بالمناخ الصحراوي وهي نسبة ضعيفة جدا تقدر بـ (54) مليون هكتار من اصل (1367) مليون هكتار، والواضح أنه متدنية وسلبية جدا.. هذا من جهة.
ومن جهة ثانية وعلى الرغم من تميز المناخ في دول العالم الإسلامي بالاعتدال ووفرة المياه وجودة الأراضي بالقياس مع الأراضي الأفريقية الصحراوية او المنجمدة مثلا، إلا أن ضعف التخطيط فيها، واعتماد بعض حكوماتها على النفط وواردته، ادى الى اهمال هذه الميزات الطبيعية،  في وقت كان لها ـ الحكومات في الدول الإسلامي ـ أن يخلق ثورة زراعية كبرى تؤهل من خلالها كل أراضيها وتجعلها حبلى بمختلف صنوف الاحتياجات الإنسانية من الموارد الزراعية تحقيقا للاكتفاء الذاتي لها؛ بل وتوريدا لحاجات باقي الدول.
ولم يقتصر القصور  التخطيط للزراعة في بلدان  العالم الإسلامي على ضعف الزراعة، بل يصل الى قلة الكفاءة في أنظمة الري والسقي، حيث أن أنظمة الإرواء في بلدان العالم الإسلامي هي القدم والأكثر تبديدا للمياه والأقل ترشيدا من غيرها حيث يضيع حوالي (11.2) ألف متر مكعب من المياه في ري الهكتار الواحد في وقت تقدَّر به كمية المياه اللازمة لزراعة الهكتار الواحد ب (7.8) ألف متر مكعب في دول العالم المتقدمة. 
أما عن نسبة الإنتاج، فهي الأخرى متدنية ودون الطموح، خصوصا اذا ما قيست مع بلدان متقدمة كأميركا ودول أوربا التي تنتج ما يقدر بـ (5.1) طن للهكتار الواحد في وقت تنتج فيه الدول الإسلامية (2.3) طن للهكتار، وهذا بطبيعة الحال يعكس تقهقرا وتراجعا واضحين في التخطيط الزراعي وبالتالي تأثير ذلك بشكل مباشر على الإنتاج، وهو ما أدرى الى اعتماد بلدان العالم الإسلامي على الاستيراد من الدول الكبرى، وربما وقوعها تحت هيمتنها الاقتصادية. 

ـ الموارد المائية
يجرنا الحدث عن الزراعة في بلدان العالم الإسلامي الى طبيعة موارده المائية، إذ تتميز الموارد المائية في بلدان العالم الإسلامي بالتنوع والوفرة؛ لما تحتويه من أنهار وبحار وبحيرات ومياه جوفية فضلا عن المناخ الذي يوفر لها مستويات كبرى من مياه الأمطار، يمكن لها أن تكون كافية لكل ما تريد زراعها لو استثمرت بشكل علمي مخطط ومدروس 
واتساقا مع الفوضى التخطيطية التي تضرب ملامح الحكومات الإسلامية، تشير الأرقام الى إن نسبة الموارد المائية المتجددة (الطبيعية) في مناطق العالم الإسلام تقدر بـ (245) مليار متر مكعب في السنة، تستغل منها فقط (66) % لتضيع النسبة الباقية والمقدرة بـ (34) %؛ دون توظيف أو استخدام؛ مع إن (91)% من هذه الميـاه تستغل في الزراعة، في حين تأخذ الاستخدامات المنزلية ما نسبته (5) %، ثم تأتي الاستخدامات الصناعة بنسبة (4) %.
ومما يستحق الإشارة، هو ما قامت به دول الخليج العربي من تحلية لمياه البحر عن طريق التقطير مواجهة منها للنقص المحتمل في المياه العذبة وتوفيرا لما يقدر بـ (8) مليار متر مكعب في سنة، وهي تجربة جديرة بالإشادة والإشارة، بل والتجريب على غرارها بالنسبة للدول التي تطل على البحار المالحة او التي تحتضن بحيرات مغلقة كالأردن مثلا.
وعلى هذا وذاك، فلا بد أن تعي الحكومات في العالم الإسلامي حجمها الاقتصادي، خصوصا الزراعي منه، فضلا عما تملكه من موارد طبيعية؛ سواء ما كان منها متعلقا بالزراعة او بالموارد المائية، وهي جديرة بالاستثمار والاستغلال، ولو على السبيل السياسة الدولية؛ بما يحررها من التبعية الاقتصادية، وجعلها في المقدمة من جهة، وكفاية لحاجات مجتمعاتها وشعوبها التي صارت أكثر الشعوب كسلا واتكالا من جهة ثانية.