الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ -
الاحد - 21 جمادى الاول 1446هـ - 24 تشرين الثاني 2024


بقيع الغرقد... مقبرة المسلمين ألأوائل
9 جُمادى الآخرة 1439هـ
ما هو البقيع؟
أرضٌ اتخذها أهل المدينة المنورة مقبرة لدفن موتاهم، تسمى بقيع الغرقد ـ والغرقد شجر بري معروف ـ حيث دأب المسلمون على دفن موتاهم فيها منذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وآله، الى يومنا هذا، وتقع في الجهة الشرقية لقبر النبي صلى الله عليه وآله، حيث تبلغ مساحتها مائة وثمانين ألف متر مربع، وتضم قبور كبار الشخصيات الإسلامية، التي واكبت الرسالة الإسلامية في عصر النبي صلى الله عليه وآله، وصولا ليومنا هذا، وتشير بعض الإحصائيات الى أن عشرة آلاف صحابي مدفون فيها، وفي مقدمتهم أربعةٌ من الأئمة المعصومين أحفاد النبي صلوات الله عليه وآله، وهم على التوالي الحسن بن علي بن أبي طالب وعلي بن الحسين السجاد ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق عليهم السلام أجمعين، وقبورهم متجاورة، يضاف اليهم عدد كبير من قبور الشخصيات الكبيرة والمهمة كالعباس بن عبد المطلب وإبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله ومحمد بن الحنفية والحسن بن الحسن بن علي وعقيل بن أبي طالب وعبد الله بن جعفر الطيار وأم البنين فاطمة الكلابية زوجة علي بن أبي طالب عليه السلام وغيرهم من الصحابة الأوائل كعثمان بن مضعون وسعد بن معاذ، كما تضم المقبرة قبور جميع زوجات النبي صلى الله عليه وآله عدا السيدة خديجة رضوان الله عليها حيث أنها دُفنت في مقبرة المعلاة بمكة مكان وفاتها، وقبر ميمونة بنت الحارث المدفونة في وادي سَرِف الذي يبعد بحوالي (15) كم شمال مكة باتجاه المدينة المنورة، كما دُفِن في البقيع أول صحابي وهو أسعد بن زرارة ألأنصاري وآخر صحابي وهو سهل بن سعد الساعدي.

زيارة القبور
دأب المسلمون منذ عهد النبي صلى الله عليه وآله، على ممارسة زيارة قبور موتاهم، والدعاء لهم بالمغفرة، وقراءة شيءٍ من القرآن عند قبورهم، ويأتي هذا إحياء لذكرهم والتعبير عن حبهم، وإهداء الثواب لأرواحهم، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله، كان يزور قبور الموتى في البقيع، ويستغفر لهم ويترحم عليهم، كما روي عنه أنه قال :"فإنَّ جبريل أتاني فأجبته، فقال: "إنّ ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم"، كما اعتاد المسلمون على بناء أضرحة لقبور كبار الشخصيات الإسلامية المهمة كالنبي صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار من ولده، تشمل تلك الأبنية القباب الكبيرة والمآذن العالية والصحون الواسعة وحتى المساجد، وهذا لا يتعارض بطبيعة الحال، مع أحكام وتشريعات الرسالة الإسلامية.

الوهّابية
الوهّابية فكرٌ ظلامي وفرقة ضالّة ومضِلَّة، أسستها ودعمتها جهات لا تريد للإسلام الخير والصلاح، ابتعدت في فقهها وسلوكها كثيرا عن كتاب الله وسنة نبيّه صلى الله عليه وآله، وسلكت سبيل تكفير المسلمين الذين لا يوافقونهم الرأي، فمارست هدم القبور وقطع الرؤوس، وإهلاك الحرث والنسل، وليس أدلّ على ذلك من ممارساتهم المعاصرة في القتل والتخريب وهدم الشواهد الدينية والأثرية وقبور الأولياء والصالحين، فضلا عن سبي النساء وحرق الأسرى، وما الى ذلك من السلوك المنحرف الذي لا يتماشى وتعاليم الشريعة الإسلامية السمحاء أبداً، بل ويسعى الى تشويه صورة الإسلام المشرقة بنظر غير المسلمين، وكان ذلك كلّه، بحجة الشرك بالله تعالى والاستعانة والتوسل بغيره، وهم بذلك ينصّبون أنفسهم أئمة للتوحيد، ويتَّهمون ما خلاهم من المسلمين بالشرك والردّة.

الحملة الوهابية لهدم القبور
من جملة ممارسات الفكر الوهابي المنحرف، أنه عمد الى هدم قبور المسلمين ومساواتها بالأرض، سواء كان في البقيع أم بغيره، وإخفاء شواهدها ومنع زيارتها والتجاوز على مقدساتها وهتك حرمتها، حيث هاجم الوهابيون المدينة المنورة سنة 1220هـ  وقاموا بقتل حراسها وهدم الآثار الدينية والمعالم التاريخية الموجودة فيها، شملت هذه الحملة المسعورة، الهجوم على المسجد النبوي الشريف ونهب ممتلكاته من الأثاث والمجوهرات والتحف والهدايا الثمينة، كما قاموا بهدم قبور أهل البقيع جميعا، بضمنهم قبور الأئمة المعصومين الأربعة عليهم السلام، ومساواتها بالأرض، كما تكررت هذه الحملة سنة 1344هـ، حيث أدت الى هدم وتخريب ما تم إعادة إعماره خلال الفترة ما بين الحملتين، ناهيك عن تهديدهم ووعيدهم المستمر بهدم قبّة وضريح النبيّ صلى الله عليه وآله، لولا الخوف من ردّة فعل المسلمين وغضبهم في كل مكان. 
وقد أثارت هذه الحوادث موجة غضب واحتجاج من جميع المسلمين، بل ألّف عدد من علماء المسلمين كتباً، دحضوا بها أفكار وسلوكيات المذهب الوهابي المنحرف.

ما أشبه اليوم بالأمس
ولنا في ممارسات ما يسمى بداعش الوهابية في الوقت الحاضر، خير دليل على انحراف هذه الفئة الضالة، وممارساتها اللا إسلامية، وسلوكياتها اللاشرعية، فقد قامت بهدم أضرحة الأولياء في العراق وسوريا، فلم يسلم من شرها مرقد النبي يونس عليه السلام، ولا مرقد النبي شيث عليه السلام، ولا المنارة الحدباء الأثريّة في الموصل، ولا مراقد الإمامين العسكريين عليهما السلام في سامراء، أو مرقد الصحابي الجليل حجر بن عدي الكندي رضوان الله تعالى عليه في سوريا، إضافة الى هدم وتدمير المتاحف والآثار الحضارية القديمة للأمم السالفة في كل مكان.